قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [سورة آل عمران:137-143].
"يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون: قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ أي: قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم، والدائرة على الكافرين، ولهذا قال تعالى: فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ [سورة آل عمران:137].
ثم قال تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ [سورة آل عمران:138] يعني القرآن فيه بيان للأمور على جليتها، وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم".
فقوله - تبارك وتعالى -:
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [سورة آل عمران:137] المراد به المثلات التي وقعت للأمم المكذبة، حيث أجرى الله
العادة بأن يعذب المكذبين الظالمين من الأمم التي كانت قبلنا، ويأخذهم بذنوبهم، فأرشد إلى النظر في هذا فقال:
فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ [سورة آل عمران:137]، وهذا الأمر هو لمن كان عنده شيء من التردد، والشك، أو التكذيب.
ولا مستمسَك في هذه الآية لطوائف المتكلمين ممن قالوا: إن أول ما يجب على المكلف هو النظر؛ لأن الله قال:
فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ [سورة آل عمران:137] وإنما أمر الله
بالنظر لمن كان عنده تردد، أو شك، أو تكذيب، ولم يؤمر به أهل الإيمان الذين ثبتوا، فهم لا يحتاجون إلى مثل هذا كأبي بكر الصديق وأمثاله، وقد قال القائل:
وليس يصح في الأذهان شيءٌ |
إذا احتاج النهار إلى دليل |
قوله - تبارك وتعالى -:
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ [سورة آل عمران:138]، قال: يعني القرآن فيه بيان للأمور على جليتها، وبعض أهل العلم يقول: إن اسم الإشارة في قوله:
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ يعود إلى الآية التي قبلها، وهي قوله:
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [سورة آل عمران:137] أي أن السياق يكون هكذا:
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ.. [سورة آل عمران:137]، ثم قال:
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ [سورة آل عمران:138]، وهذا فيه بعد والله تعالى أعلم، والأحسن من هذا هو ما ذكره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - من أن المراد بقوله:
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ [سورة آل عمران:138] ما ذكره الله
قبله من التفاصيل، والأمور التي بيّن بها حال أهل الإيمان والمكذبين الكافرين، وما جرى لهؤلاء، وما جرى لهؤلاء، وما وقع في يوم أحد، وأسباب ذلك، فهذا التفصيل الذي سبق في الآيات هو المراد بقوله:
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ [سورة آل عمران:138].
وما ذكره الحافظ ابن كثير هنا من أنه القرآن لا يبعد من هذا كثيراً؛ لأن القرآن بيان للناس، وهذه الأشياء التي ذكرها الله
من الآيات هي من جملة هذا القرآن، وما تضمنه من البيان، والهدايات التي يحتاج إليها الناس، والعلم عند الله
.
"وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ [سورة آل عمران:138] يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم، وهدىً لقلوبكم، وموعظة للمتقين، أي: زاجر عن المحارم والمآثم".