الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [سورة آل عمران:162] أي: لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله، وجزيل ثوابه".

لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه يعني في كل شيء اتبع رضوان الله في الأعمال القلبية، وأعمال الجوارح في طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ كما قال ربنا - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ [سورة آل عمران:73-74] فوصفهم بهذا حيث أجابوا النبي ﷺ لما دعاهم للخروج إلى حمراء الأسد بعد غزوة أُحد مباشرة.
"أي لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه فاستحق رضوان الله، وجزيل ثوابه، وأجير من وبيل عقابه، ومن استحق غضب الله، وألزم به؛ فلا محيد له عنه، ومأواه يوم القيامة جهنم، وبئس المصير".

يعني هذا أيضاً في محادّة الله ، ومعصيته بكل الأشكال والصور كما قال الله : تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ۝ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [سورة المائدة:80-81].
فالحاصل أنه قال: لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ أي: سولت لهم وزينت أن يوالوا المشركين، فكان ذلك سبباً لسخط الله عليهم.  
"وهذه لها نظائر كثيرة في القرآن كقوله تعالى: أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [سورة الرعد:19]".

هذا دأب ابن كثير - رحمه الله - حيث يفسر القرآن بالقرآن، ولو أن أحداً دوَّن بعض النماذج لمعرفة منهج ابن كثير في التفسير فإنه سيجد عنده في النهاية تطبيقات على قواعد التفسير بأنواعها خاصة، وأن الكتاب هذا حافل بذلك، فإذا جمع أحدنا هذه الأمور شيئاً فشيئاً فإنه يمكن أن يخرج بمجلدات، والناس في هذا كلٌّ بحسبه، فمنهم من يجدها تلوح لأنه يذكرها صراحة، وأحياناً تكون خفية لا تظهر إلا لمن كان له خلفية بهذا.
"وهذه لها نظائر كثيرة في القرآن كقوله تعالى: أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [سورة الرعد:19] وكقوله: أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الآية [سورة القصص:61]".

مرات الإستماع: 0

"قوله: أَفَمَنِ اتَّبَعَ [آل عمران:162] الآية، فقيل: [وفي جميع النسخ قيل]: إن الذي اتبع رضوان الله من لم يغلل، والذي باء بالسخط من غلَّ، وقيل: الذي اتبع الرضوان من استُشهد بأحد، والذي باء بالسخط المنافقون الذين رجعوا عن الغزو".

أَفَمَنِ اتَّبَعَ قيل: "من لم يغلل" وقيل: "الذي اتبع الرضوان من استُشهد بأُحُد، والذي باء" باء يعني رجع، باء بكذا يعني رجع بكذا، ولا يُقال هذا إلا بشرّ عادةً، باء بغضب من الله، وباء بسخط، فيُقال للرجوع - وعلى سبيل الدقة - الرجوع بشر، يقول: "والذي باء بسخط المنافقون الذين رجعوا عن الغزو" هذا يُشبه أن يكون من قبيل التفسير بالمثال، يعني من اتبع رضوان الله لم يغُلّ، أو استُشهد بأُحُد، ومن باء بسخطٍ من الله غلّ، أو رجع لم يشهد أُحُدًا، فهذا من قبيل التفسير بالمثال، وإلا فالمعنى أعم من ذلك، ويمكن أن يُحمل على الجميع، فمن اتبع رضوان الله بالإيمان، والعمل الصالح، وترك المعاصي، وباء بسخطٍ من الله: بالكفر، والنفاق، والمعصية، والغلول، ونحو هذا، والغلول نوعٌ من المعاصي.

والحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول بأن المعنى أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ: لا يستوي من اتبع رضوان الله تعالى فيما شرّعه[1] كقوله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [الرعد:19] وقوله: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [القصص:61].

وبعضهم يقول: بأن هذه الآية يُفسّرها قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۝ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ [آل عمران:173، 174] لكن كما ذكرت: إن المعنى أعم من ذلك.

وهكذا فإن بعض هؤلاء يقولون: بأن المتبع لمساخط الله - تبارك، وتعالى - كما قال الله : تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:80] والمعنى يشمل ذلك جميعًا - والله أعلم -.

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/157).