الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُوا۟ ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا۟ قَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُوا۟ ۖ قَالُوا۟ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّٱتَّبَعْنَٰكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَٰنِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران:167] يعني أصحاب عبد الله بن أبي بن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق فاتبعهم من اتبعهم من المؤمنين، يحرضونهم على الإياب، والقتال، والمساعدة، ولهذا قال: أَوِ ادْفَعُواْ.
قال ابن عباس - ا -، وعكرمة وسعيد بن جبير، والضحاك وأبو صالح، والحسن والسدي: يعني كثِّروا سواد المسلمين، وقال الحسن بن صالح: ادفعوا بالدعاء، وقال غيره: رابطوا".

على كل حال هو ذكر القتال وما الذي يقال غير القتال من عون المسلمين بحضورهم للمعركة كتكثير السواد، فيرهب بذلك العدوُّ جانبَ المسلمين وما أشبه ذلك مما يحصل بالاجتماع، أو ادفعوا بما تستطيعون غير القتال على الأقل بنفقاتٍ، ودعاء، وتحريض، وما أشبه ذلك بكل مستطاع.
قوله: قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران:167] المتبادر من معناها أنه: لن يحصل هناك قتال، فكل المؤشرات تدل على أنه لن تقع معركة فلا داعي أن نخرج، وبعضهم يقول: إن معنى: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً يعني نحن لا نحسن القتال فاعذرونا، فلسنا من أهل الحرب، وأهل القتال، وليس ذلك من عملنا، وإنما الذين يحسنونه هم الذين يخرجون إلى العدو.
ويحتمل أن يكون معنى لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً أي: لو نعلم لنا محلاً للقتال، ومكاناً في المعركة؛ لاتبعناكم، ولكن هذا بعيد جداً، فهو أبعد من الذي قبله، والظاهر المتبادر - والله أعلم - أن المعنى أنه لن يكون هناك قتال" وبناء عليه لا داعي للحضور.
"فتعللوا قائلين: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران:167] قال مجاهد: يعنون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لجئناكم، ولكن لا تلقون قتالاً، قال الله : هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ [سورة آل عمران:167] استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان، لقوله: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ [سورة آل عمران:167]".

هذا كما في الحديث: يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً[1] أي تتقلب به الأحوال في يومه وليلته.
"ثم قال تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [سورة آل عمران:167] يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته".

هنا أضاف القول إلى الأفواه مع أن القول إنما يكون بالأفواه، فكما أنه يدل على التوكيد في مثل هذه المقامات فكذلك يدل هنا على أن مثل هذا القول لا يجاوز الأفواه، كما قال الله في سورة النور: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ [سورة النور:15] فهو قول لا يجاوز الأفواه، فهو إفك، وكذب مفترى لا حقيقة له في أرض الواقع، وإنما هو شيء يتفوه به الناس دون أن يكون له حقيقة.
"ومنه قولهم هذا: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران:167] فإنهم يتحققون أن جنداً من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم يوم بدر وهم أضعاف المسلمين، وأنه كائن بينهم قتال لا محالة، ولهذا قال تعالى: وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [سورة آل عمران:167]".
  1. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن (118) (ج 1 / ص 110) وأحمد (18428) (ج 5 / ص 394).

مرات الإستماع: 0

"يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران:166] أي: جمع المسلمين، والمشركين يوم أحد وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا [آل عمران:167] الآية، كان رأي عبد الله بن أبي بن سلول: ألا يخرج المسلمون إلى المشركين، فلما طلب الخروج قومٌ من المسلمين، فخرج رسول الله ﷺ غضب عبد الله، وقال: أطاعهم، وعصانا، فرجع، ورجع معه ثلاثمائة رجل، فمشى في أثرهم عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري [وفي جميع النسخ: ابن حرامٍ الأنصاري]."

الصواب: ابن حرام، وهو والد جابر  واستُشهد في هذه الغزوة.

"وقال لهم: ارجعوا، قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا، فقال له عبد الله بن أُبيّ: ما أرى أن يكون قتالٌ، ولو علمنا أنه يكون قتالٌ لكنا معكم أَوِ ادْفَعُوا [آل عمران:167] أي: كثّروا السواد، وإن لم تقاتلوا".

"أي: كثّروا السواد، وإن لم تقاتلوا" هذا قول، وقال به بعض السلف، مروي عن ابن عباس، وعِكرمة، وسعيد بن جُبير، والضحّاك، وأبي صالح، والحسن، والسُدّي[1] فأكثر السلف قالوا بها.

وجاء عن بعضهم كالحسن بن صالح: أَوِ ادْفَعُوا يعني بالدعاء[2] وهذا بعيد، كيف يخرج ثلث الجيش من أجل الدعاء؟ يدعون في بيوتهم، فليس هذا هو المقصود.

وقال بعضهم هو بمعنى: رابطوا[3].

وعلى كل حال مُباشرة القتال، والدفع يمكن أن يكون بمعنى اتخاذ مواقف دفاعية، وتحصين ظهور المسلمين، والاحتراز لهم، ودفع من أراد بهم غِرَّة، والحراسة، ونحو هذا مما يُحتاج إليه - والله أعلم -. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/160).
  2. المصدر السابق.
  3. المصدر السابق.