قال ابن عباس - ا -، وعكرمة وسعيد بن جبير، والضحاك وأبو صالح، والحسن والسدي: يعني كثِّروا سواد المسلمين، وقال الحسن بن صالح: ادفعوا بالدعاء، وقال غيره: رابطوا".
على كل حال هو ذكر القتال وما الذي يقال غير القتال من عون المسلمين بحضورهم للمعركة كتكثير السواد، فيرهب بذلك العدوُّ جانبَ المسلمين وما أشبه ذلك مما يحصل بالاجتماع، أو ادفعوا بما تستطيعون غير القتال على الأقل بنفقاتٍ، ودعاء، وتحريض، وما أشبه ذلك بكل مستطاع.
قوله: قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ [سورة آل عمران:167] المتبادر من معناها أنه: لن يحصل هناك قتال، فكل المؤشرات تدل على أنه لن تقع معركة فلا داعي أن نخرج، وبعضهم يقول: إن معنى: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً يعني نحن لا نحسن القتال فاعذرونا، فلسنا من أهل الحرب، وأهل القتال، وليس ذلك من عملنا، وإنما الذين يحسنونه هم الذين يخرجون إلى العدو.
ويحتمل أن يكون معنى لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً أي: لو نعلم لنا محلاً للقتال، ومكاناً في المعركة؛ لاتبعناكم، ولكن هذا بعيد جداً، فهو أبعد من الذي قبله، والظاهر المتبادر - والله أعلم - أن المعنى أنه لن يكون هناك قتال" وبناء عليه لا داعي للحضور.
هذا كما في الحديث: يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً[1] أي تتقلب به الأحوال في يومه وليلته.
هنا أضاف القول إلى الأفواه مع أن القول إنما يكون بالأفواه، فكما أنه يدل على التوكيد في مثل هذه المقامات فكذلك يدل هنا على أن مثل هذا القول لا يجاوز الأفواه، كما قال الله في سورة النور: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ [سورة النور:15] فهو قول لا يجاوز الأفواه، فهو إفك، وكذب مفترى لا حقيقة له في أرض الواقع، وإنما هو شيء يتفوه به الناس دون أن يكون له حقيقة.
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن (118) (ج 1 / ص 110) وأحمد (18428) (ج 5 / ص 394).