الجمعة 11 / ذو القعدة / 1446 - 09 / مايو 2025
وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ۝ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۝ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ۝ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:169-175].
يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار.
روى مسلم في صحيحه عن مسروق قال: سألْنا عبد الله عن هذه الآية: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [سورة آل عمران:169] فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله ﷺ فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يُسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا وقد روي نحوه عن أنس وأبي سعيد - ا -[1]".

هذه الآية تفسرها الآية الأخرى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [سورة البقرة:154] فتلك الآية تفسر هذه، وتبين أن هذه الحياة التي يحياها الشهداء لا تدخل تحت إدراكنا، ولذلك قال: وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [سورة البقرة:154] لأن الشعور المقصود به الإدراك، فإذا ارتفع شعور الإنسان معنى ذلك أنه ارتفع إدراكه، فنحن لا نشعر بهذا، ولا ندرك طبيعة هذه الحياة، لما حجب عنا في هذه الدنيا من هذه الأمور الغيبية، فهي حياةٌ الله أعلم بها لا تدخل تحت نطاق شعورنا، لكنهم أحياء والله يقول: لا تقولوا أمواتاً إنما هم أحياء، لكن ذلك لا يدخل تحت إدراككم، يعني لمّا أزهقت نفوسهم في سبيل الله، وحصل لهم هذا التلف في الأبدان، وبذلوا المُهج عوضهم الله الحياة الكاملة التي لا تقارن بهذه الحياة، فإذا رأوا ذلك تمنوا أن يرجعوا فيقتلوا، وهذه هي أمنيتهم الوحيدة.
"وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة[2] [انفرد به مسلم]".

هنا يقول: لها عند الله خير ولهذا في قوله - تبارك وتعالى -: وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ [سورة المنافقون:10] قال ابن عباس - ا -: "ما من أحد يكون عليه حق لله تعالى - يعني في المال - لا يؤديه إلا تمنى الرجعة عند الموت"، فقالوا له: اتق الله يا ابن عباس فإنه لا يتمنى الرجعة أحد له خير عند الله إلا الشهيد، فقرأ عليهم ابن عباس هذه الآية: وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ [سورة المنافقون:10] فالإنسان المقصر في الحقوق المالية يتمنى أن يرجع ليتصدق، ويبذل.
"وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترِد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم، ومأكلهم، وحسن متقلبهم؛ قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله : أنا ابلغهم عنكم، فأنزل الله هذه الآيات: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وما بعدها[3] هكذا رواه أحمد، وكذا قال قتادة والربيع والضحاك أنها نزلت في قتلى أحد.
وروى أبو بكر بن مردويه عن جابر بن عبد الله - ا - قال: نظر إليَّ رسول الله ﷺ ذات يوم فقال: يا جابر ما لي أراك مهتماً قال: قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك ديناً، وعيالاً، قال: فقال: ألا أخبرك ما كلم اللهَ أحدٌ قط إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كَفاحاً قال علي: الكَفاح: المواجهة".

يعني أنه كلَّمه مباشرة من غير واسطة، وظاهره أن ذلك من غير حجاب أيضاً.
"قال: سلني أعطك، قال: أسألك أن أردَّ إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الرب : إنه قد سبق مني القول: أنهم إليها لا يرجعون، قال: أي ربِّ فأبلغ من ورائي، فأنزل الله: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا الآية[4].
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: الشهداء على بارقِ نهر بباب الجنة في قبة خضراء..".

بعضهم يفسر قوله: على بارق نهر يعني أول النهر، ومطلع النهر، ومبتدأ النهر عند باب الجنة أي الموضع الذي يلوح فيه النهر أو يبرق فيه النهر عند باب الجنة، وكأنه يكون له شيء من اللمعان والبريق، والله أعلم.
"قال: قال رسول الله ﷺ: الشهداء على بارقِ نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة، وعشياً تفرد به أحمد وقد رواه ابن جرير وهو إسناد جيد[5]".

وحسنه أيضاً الذين حققوا مسند الإمام أحمد، وعلى كل حال هذا الحديث مع الأحاديث الأخرى التي تذكر أنهم في حواصل جوف طير خضر تأوي إلى قناديل ... إلى آخره يمكن أن يقال: إن هذا يختلف باختلاف أحوالهم، ربما يكون ذلك - والله أعلم - فبعضهم هكذا، وبعضهم هكذا، وقد يكون لهم هذا، وهذا، فالله على كل حال يكرمهم بألوان من النعيم أخبر عن بعضه في مثل هذه النصوص.
"وكأن الشهداء أقسام منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك، ويغدى عليهم برزقهم هناك، ويراح، والله أعلم".

هنا ذكر وجهين للجمع بين هذا، وبين أنها في أجواف طير، إما أن هذا يختلف باختلاف أحوال الشهداء فمنهم من يكون كذا، ومنهم من يكون كذا، أو أن هذا من الأمور التي يعطيهم الله إياها فهم في بعض الأطوار يكونون في أجواف طير خضر، وقد يفضون إلى مكان كهذا يتنعمون به، فالله أعلم.
"وقد رُوِّينا في مسند الإمام أحمد حديثاً فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضاً فيها".

هنا يشير إلى بعض الأحاديث التي تذكر أن أرواح المؤمنين أيضاً في الجنة، وأن ذلك لا يختص بالشهداء، ولكن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، وهذا هو الفرق، والله أعلم.
"بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضاً فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة، والسرور".

عالم الأرواح، وكلام أهل العلم فيه، وأين أرواح المؤمنين هل هي على أفنية القبور، أو في القبور، أو في الجنة، أو لها أحوال تنتقل في العالم العلوي، وترجع إلى القبور، أو غير ذلك، إذا نظرت إلى الأدلة تجد منها ما يدل على أنه ينعم في القبر حيث يفتح له نافذة إلى الجنة فيأتيه من روحها، ونعيمها، وهناك أدلة يفهم منها أن أرواحهم في الجنة، وعلى كل حال هذه أمور غيبية، فقد يكون للأرواح أحوال، وتنقلات مع اتصال بالجسد، لا ندركه، وهذا الاتصال لا تحصل به الحياة المعروفة لدينا في الدنيا من حركة الجسد فهذه أمور الله أعلم كيف تكون.
"وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة؛ فإن الإمام أحمد - رحمه الله - رواه عن محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - عن مالك بن أنس الأصبحي - رحمه الله - عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه[6]".

في هذا الحديث يذكر أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، وذكر هناك أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، فقوله: طائر يعلق من أهل العلم من أخذه بظاهره، وقال: إنها تكون بهذه المثابة، أي أنها تكون على هيئة طائر يطير في الجنة، وليست في جوف طير خضر كأرواح الشهداء، فهؤلاء طائر يعلق في شجر الجنة، وأولئك في جوف طير خضر يأوون إلى قناديل معلقة بالعرش.
"وفي هذا الحديث: إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة، وأما أرواح الشهداء فكما تقدم".

هذا الكلام لابن كثير يريد به تبيين المعنى المراد من الحديث وليس رواية أخرى، فهو فسرها بأنها تكون على هيئة طائر، وهذا قال به كثير من السلف، وبعضهم يقول: إن الروح طائر يعلق بأنهار الجنة، فقيل لها طائر بهذا الاعتبار، لكن الظاهر المتبادر هنا أنها تكون على صورة أو على هيئة طائر يعلق بأشجار الجنة، وابن القيم له كلام كثير في هذا من شاء فليراجعه.
"وفي هذا الحديث: إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة، وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها، فنسأل الله الكريم المنان أن يثبتنا على الإيمان".

يقول: "فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين" لأنها تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش.
  1. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة - باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون (1887) (ج 3 / ص 1502).
  2. أخرجه مسلم في كتاب الإمارة - باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى (1877) (ج 3 / ص 1498).
  3. أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد - باب في فضل الشهادة (2522) (ج 2 / ص 322) وأحمد (2388) (ج 1 / ص 265) والحاكم (2444) (ج 2 / ص 97) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2520).
  4. أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب تفسير سورة آل عمران (3010) (ج 5 / ص 230) وابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم - باب فيما أنكرت الجهمية (190) (ج 1 / ص 68) وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (3010).
  5. أخرجه أحمد (2390) (ج 1 / ص 266) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
  6. أخرجه أحمد (15816) (ج 3 / ص 15816) وإسناده صحيح كما قال شعيب الأرنؤوط.

مرات الإستماع: 0

"بَلْ أَحْياءٌ [آل عمران:169] إعلامٌ بأن حال الشهداء حال الأحياء من التمتع بأرزاق الجنة، بخلاف سائر الأموات من المؤمنين، فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حتى يدخلوا الجنة يوم القيامة".

قوله: بَلْ أَحْياءٌ جاء في سبب النزول في الحديث قال: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا، أنا أحياء في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم، قال: فأنزل الله: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران:169] إلى آخر الآية[1] فهذا سبب النزول.

وفي حديث ابن عباس - ا: الشهداء - هذا في الشهداء عمومًا، والأول فيمن أصيب في أُحُد - ، وأرضاهم - على بارق نهرٍ - يعني الموضع الذي يبرق من النهر الذي بباب الجنة، ويظهر - بباب الجنة، في قبةٍ خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً، وعشيًا[2] فهذا في عموم الشهداء.

ويقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "كأن الشهداء أقسام، منهم من تسرح - يعني يجمع بين هذه الأحاديث - أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون مُنتهى سيرهم إلى هذا النهر، فيجتمعون هنالك، ويُغدى عليهم برزقهم هُناك، ويُراح"[3] لكن هذا في الشهداء.

وورد أيضًا في عامّة المؤمنين، غير الشهداء بأن أرواحهم تُنعّم أيضًا، كما في حديث كعب بن مالك، يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك، الأئمة الثلاثة، عن الزُهري عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه، عن النبي ﷺ نسمة المؤمن طائرٌ يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله - تبارك، وتعالى - إلى جسده يوم يبعثه[4].

يقول ابن كثير - رحمه الله -: "وفي هذا الحديث أن روح المؤمن تكون على شكل طائرٍ في الجنة"[5] وأما أرواح الشهداء فكما تقدّم في حواصل طيرٍ خُضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها.

"قوله: بَلْ أَحْياءٌ إعلامٌ بأن حال الشهداء حال الأحياء من التمتع بأرزاق الجنة بخلاف سائر الأموات" فهذا الكلام الأخير غير دقيق، قال: "فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حتى يدخلوا الجنة يوم القيامة" حديث كعب بن مالك يدل على خلاف ما ذكر، أن أرواح المؤمنين أيضًا تتمتع بنعيم الجنة، لكنه تمتُّع محدود، يعني كما قال ابن القيم - رحمه الله - بأن حال البرزخ يكون فيه تمتع للأرواح، والأجساد تبع[6] وأما في الدنيا فالتمتع في الأصل للأجساد، والأرواح تبع، الأكل، والشرب، واللباس، والزينة، وأما في الآخرة فيكون كمال التمتُّع للأجساد، والأرواح على حدٍ سواء، وهذا كمال النعيم، أو العذاب - والله أعلم -. 

  1.  أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في فضل الشهادة برقم: (2520) وحسنه الألباني.
  2.  أخرجه أحمد ط الرسالة (4/220 - 2390) وقال محققو المسند: "إسناده حسن".
  3.  تفسير ابن كثير ت سلامة (2/164).
  4.  أخرجه بهذا الإسناد أحمد ط الرسالة (25/57 - 15778) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح" وهو أيضاً في ابن ماجه.
  5.  تفسير ابن كثير ت سلامة (2/164).
  6.  الروح (1/263 - 311).