إِنَّمَا ذَلِكُمُ أي: المثبط لكم هو الشيطان، والمعنى أن الشيطان يضخِّم الكفار في أعينكم، ويجعل لهم هالة، ويجعل منهم أصحاب قوة لا يمكن أن تُدحر، ولا تقهر، ولا تهزم، فهذا هو الشيطان الذي يجعل لهم مثل هذا الانتفاش والتعاظم، أو العظمة في نظر الآخرين.
والمعنى المتبادر الظاهر - والله أعلم - في قوله: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ أي: يخوفكم من أوليائه، وأولياؤه هم الكفار، فالشيطان يخوف المؤمنين منهم بأن يلقي في نفوسهم أموراً يتعاظمون فيها قوة الكفار، وما بأيديهم ؛حتى يشعرهم أن هؤلاء الكفار قوة لا يمكن أن تواجه، ولا تقهر.
فالحاصل أن هذا هو المعنى، وليس معناها أن الشيطان يخوف ويلقي الرعب والخوف في قلوب أوليائه، فليس هذا هو المراد، بل هو يحرضهم على الإقدام على أهل الإيمان كما حصل في بدر لما زين لهم أعمالهم، وقال: وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ [سورة الأنفال:48] فهو الذي دفعهم إلى المواجهة.
وقوله: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ أبلغ من قوله: إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه؛ لأن قوله: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ معناه أنه يجعل لأوليائه من الهالة والعظمة بحيث إن جانبهم يكون مهيباً مرهوباً، فيرفعهم بهذا، فيحسب المؤمنون لهم حساباً، ولا يجترئون على مواجهتهم.
فالمقصود أن المعنى الظاهر المتبادر من قوله: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ أنه يخوف المؤمنين من أوليائه لا أنه يخوف أولياءه من المؤمنين أو من غير ذلك؛ لأنه من المعلوم أن الشيطان لا يخوف أولياءه، وإنما يدفعهم ويشجعهم على المضي لحرب أهل الإيمان، فهو لا يلقي الخوف في قلوبهم، وإنما يجتهد أن يلقي الخوف في قلوب المؤمنين، وهذا عام في الجهاد في سبيل الله ، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يجعل لصاحب الباطل والمنكر عظمة غير حقيقية ولو كان من أقل الناس شأناً بحيث لا يجترئ عليه المؤمن أحياناً إذا قبل عن الشيطان هذا التأثير والإلقاء، وهكذا يلقي في قلبه مهابة من هذا الإنسان، ويجعل في نفسه من الخواطر، والوساوس؛ ما يجعله ينصرف عن الإنكار عليه، فلذلك ترى الإنسان أحياناً يجد إنساناً بجانبه يأكل، ويتكئ على يده، أو يشرب بيده اليسرى، ولا يجترئ حتى على أن ينبهه، وتراه يجلس في المجلس، ويسمع الغيبة أصرح ما تكون، والاستطالة في الأعراض، وربما الذي يقوم بهذا من أبسط الناس، ومع ذلك لا يجترئ أن يقول: كف عن أعراض الناس، اتق الله، فيسكت ويجامل، ويداهن، وهذا كله من الشيطان، يقول له: إذا أنكرت فإن هذا الإنسان قد يسيء إليك، أو قد يحصل مفسدة أكبر، أو هذا الإنسان قد يقاطعك، أو يفهم هذا على غير مرادك، فيترك الإنسان مثل هذه الأشياء، وأحياناً يصلي بجانبه إنسان يرى عليه ألوان المنكرات فلا يكلمه، وأحياناً يراه لا يعرف يصلي فلا يجترئ على أن يكلمه ولو كان من أبسط الناس، والله المستعان.