الخميس 25 / شوّال / 1446 - 24 / أبريل 2025
وَلَا يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَيْـًٔا ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"يقول تعالى لنبيه ﷺ: ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر وذلك من شدة حرصه على الناس، وكان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة، والعناد، والشقاق فقال تعالى: لا يحزنك ذلك، إنهم لن يضروا الله شيئاً".

يقول تعالى: وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [سورة آل عمران:176] وفي قراءة نافع: ولا يحزِنُك وهما لغتان، والمعنى واحد.
فقوله - تبارك وتعالى - هنا: وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [سورة آل عمران:176] من هم الذين يسارعون في الكفر، ونهي النبي ﷺ عن الحزن عليهم؟ هل هم الذين يرتدون على أدبارهم؟ أو هم الكفار بجميع أنواعهم، فهم استمرءوا الكفر، وهم مستمرون عليه، ويزدادون منه حيناً بعد حين؟ أو أن المراد بهم أ هل النفاق؟
الآية تحتمل هذه المعاني كلها، وابن جرير - رحمه الله - يحملها على المنافقين، والآية يدخل فيها أهل النفاق فهم يسارعون في الكفر، ويدخل فيها أيضاًَ من ارتد عن دينه فهو يسارع إلى الكفر، ويدخل فيها طوائف الكفار من أهل الكتاب الذين أنكروا ما عرفوا من أحقية ما جاء به النبي ﷺ، فكفروا، وازدادوا كفراً على كفرهم، ويدخل فيها أهل الإشراك الذين لم يألوا جهداً في صد دعوة النبي ﷺ، والكيد لها بكل مستطاع، فكل هؤلاء يسارعون في الكفر، فهذه الآية تفسرها الآيات الأخرى، التي نهاه الله فيها عن الحزن عليهم، وألا يكون في ضيق مما يمكرون وهي قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [سورة الكهف:6] أي: مُهلِك نفسك أسفاً، وحسرة عليهم؛ أنهم لم يؤمنوا، ولم يقبلوا هذا الحق الذي جئت به، فكل هؤلاء - والله أعلم - ممن يسارعون في الكفر.
وابن كثير هنا حملها على مبادرة الكفار إلى المخالفة، والعناد، لكنه لا يعني أن أهل النفاق بمنأى عن هذا؛ فأهل النفاق في الواقع كفار في الباطن، وهم يسارعون في الكفر كما هو معلوم، فحمْلها على المعنى الأعم هو ما مشى عليه ابن كثير - رحمه الله -، وهذا أولى من حملها على المنافقين.
"فقال تعالى: لا يحزنك ذلك، إنهم لن يضروا الله شيئاً إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ [سورة آل عمران:176] أي: حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته ألا يجعل لهم نصيباً في الآخرة، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [سورة آل عمران:176]".

يعني أن مجيء الكفار إلى المسلمين في أُحد، وقتل هؤلاء الصحابة، وما حصل على يد الكفار، هذا كله من المسارعة في الكفر، ونفاق المنافقين الذي نجم ذلك الحين كله من المسارعة في الكفر، وكلامهم، واعتراضهم بقولهم: لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ [سورة آل عمران:156] وقولهم: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [سورة آل عمران:168] وما أشبه ذلك، كل ذلك من المسارعة في الكفر.
وقوله تعالى: يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ [سورة آل عمران:176] هذه كما يقول الله : وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [سورة الأعراف:183] وكقوله - تبارك وتعالى -: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [سورة آل عمران:178] فهذا بمعنى أن الله يريد ألا يكون لهم نصيب في الآخرة، فالله - تبارك وتعالى - لو شاء لأهلكهم، ولو شاء لآمنوا جميعاً، ولكن حكمته أنه يملي لهم فيزدادون كفراً إلى كفرهم، فيكون ذلك سبباً لمحقهم، وذهاب نصيبهم عند الله .

مرات الإستماع: 0

"وَلا يُحْزِنْكَ [آل عمران:176] تسليةٌ للنبي ﷺ وقُرِئَ بفتح الياء، وضم الزاي، حيث وقع مضارعًا من حَزِنَ الثلاثي، وهو أشهر في اللغة من أحزن".

حَزِنَ هذا الثلاثي، أما أحْزَن فهذا رباعي، من أربعة أحرف، فحَزِنَ هذا لازم، وأحْزَنَ مُتعدّي، تقول: حَزِنَ يعني في نفسه، وأحزَن غيره.

وَلا يُحْزِنْكَ هذه قراءة نافع التي عليها هذا الكتاب، وقراءة الجمهور: وَلا يَحْزُنْكَ[1].

يقول: "وقُرِئَ بفتح الياء وَلا يَحْزُنْكَ "حيث وقع مضارعًا من حَزِنَ الثلاثي، وهو أشهر في اللغة من أحزن" يعني من حَزِنَ، الفعل اللازم، أو القاصر، ووَلا يُحْزِنْكَ هذا من أحزَنَ، أي: لا يُدخل الحزن عليك.

"قوله: الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [آل عمران:176] أي: يبادرون إلى أقواله، وأفعاله، وهم المنافقون، والكفار [وفي جميع النسخ: وهم المنافقون، أو الكفار]".

"الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أي: يبادرون إلى أقواله، وأفعاله، وهم المنافقون، والكفار" لا شك أن المنافقين، والكفار يسارعون في الكفر، ويمكن أن يوضع (أو) باعتبار أن ذلك على قولين: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ابن جرير يقول: هي في المنافقين[2] يعني حمله على المنافقين، وابن جُزيّ إذا كانت الواو في قوله: "المنافقون، والكفار" يكون جمعا بين القولين، وبعضهم يقول: هي في الكفار، وبعضهم يقول: في المنافقين.

  1. السبعة في القراءات (ص:219) ومعاني القراءات للأزهري (1/281) وحجة القراءات (ص:181).
  2. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/257).