"أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ [آل عمران:178] أي: نمهلهم".
أصل الإملاء يُقال للزمن الطويل، وامتداد في شيءٍ من زمن، أو غيره.
"وأَنَّ مفعول يَحْسِبَنَّ [وفي جميع النسخ: بـيَحْسِبَنَّ] و(مَا) اسم أَنَّ فحقُّها أن تُكتب منفصلة، وخَيْرٌ الخبر".
يعني (ما) هي مكتوبة مُتصلة بـ(أَنَّ) (أَنَّما) يقول: "وحقُّها أن تُكتب منفصلة".
وفي الإعراب أوجه أخرى غير هذا، ومما ذُكر في ذلك.
وَلا يَحْسَبَنَّ يحسب هذا فعل مضارع يتعدى لمفعولين، مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم بلا الناهية.
وقُرئ بياء الغيبة يَحْسَبَنَّ وبتاء الخطاب (تَحْسَبَنَّ) فعلى قراءة الياء يَحْسَبَنَّ يكون الَّذِينَ في محل رفع فاعل.
أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ فـ(مَا) هذه في أَنَّمَا تكون موصولة بمعنى الذي وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا يعني أن الذي نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ فهي في محل نصب اسم (أن) اسم موصول، ويجوز أن تكون (مَا) مصدرية، والمصدر المؤول: ما نُملي، يعني وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي أن إملاءنا، فهذه حينما تُصاغ بمصدر، وهو اسم (أن) و(أَنَّ) وما اتصلت به في محل نصب ساد مسد مفعولي يحسب، أو ساد مسد أحدهما، والمفعول الآخر محذوف تقديره: نافعًا.
وعلى قراءة وَلا تَحْسَبَنَّ بالتاء، الفاعل ضمير مستتر، وجوبًا تقديره: أنت، عائد إلى النبي ﷺ والَّذِينَ مفعول أول لـتَحْسَبَنَّ وأَنَّمَا نُمْلِي في محل نصب مفعول ثاني، على تقدير حذف مضاف، أي: ولا تحسبن شأن الذين كفروا، وقيل غير هذا.
"قوله: أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ [آل عمران:178] (ما) هنا كافّة، والمعنى ردٌّ عليهم، أي: أن الإملاء لهم ليس خيرًا لهم".
(ما) كافة يعني كافّة عن العمل، تكفّ (أنّ) عن العمل، و(أنّ) معروف أنها المبتدأ يكون اسمًا لها، والخبر خبرًا لها، فهي تنصب الاسم، وترفع الخبر، فإذا دخلت عليها (ما) كفّتها عن العمل، على هذا الاعتبار.
"والمعنى: ردٌّ عليهم، أي: أن الإملاء لهم ليس خيرًا لهم، إنما هو استدراج ليكتسبوا الآثام".
كما قال الله : أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55 - 56] وهكذا في قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:44 - 45] فما يُعطاه الأعداء من الرفاهية، والنعيم الدنيوي، والتمكين المؤقت، وطول الأعمار، وأنواع اللذات، هو إملاءٌ لهم ليزدادوا إثمًا، وما ذكره هنا من أن (ما) كافّة هذا على أحد الأوجه، وإلا إذا قلنا: بأنها اسم موصول فلا تكون كافّة بهذا الاعتبار.