الخميس 24 / ذو القعدة / 1446 - 22 / مايو 2025
مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُ ۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [سورة آل عمران:179] أي: لا بد أن يعقد سبباً من المحنة".

قوله تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ الخطاب هنا موجه لمن؟ بعضهم يقول: هذا الخطاب للمؤمنين.
وقوله: حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [سورة آل عمران:179] أي حتى يتمحَّص أهل الإيمان، ويتبيّن المؤمن الصادق من المنافق.
وبعضهم يقول: هذا الخطاب للمؤمنين، والمنافقين؛ ممن أظهر الانتساب إلى الإسلام، وأعلن الإيمان، والمعنى يا من تنتسبون إلى الإسلام، وتظهرون اتباع الرسول ﷺ، وقبول ما جاء به ستقع بكم مثل هذه البلايا، والهزائم، والكوارث، والآلام، فتتكشف في أوقات الشدائد حقائق مكنونات النفوس، وتظهر، فيعرف هذا، ويعرف هذا.
وبعضهم يقول: هذا الخطاب موجه للكفار، وعلى هذا يكون المعنى مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ أي على ما أنتم عليه أيها الكفار من الكفر حتى يميز الخبيث من الطيب، وهذا بعيد بل هو أبعد هذه الاحتمالات.
والحاصل أن الخطاب متوجه إلى أمة الإجابة، وأمة الإجابة هذه مختلطة، ففيهم الصادق فيما أظهر من الإجابة، وفيهم الكاذب، وفيهم ضعيف الإيمان، فالله وعدهم بالابتلاء كما قال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [سورة آل عمران:186] وكما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [سورة محمد:31] وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [سورة آل عمران:142] وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ [سورة البقرة:214] فهذا كله لا بد منه، فهو أمر واقع يتميز به الصف.
"أي لا بد أن يعقد سبباً من المحنة يُظهر فيه وليه، ويفتضح فيه عدوه، ليعرفوا به المؤمن الصادق، والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانهم، وصبرهم، وجلدهم، وثباتهم، وطاعتهم لله ولرسوله ﷺ، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم لله، ولرسوله ﷺ ولهذا قال تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [سورة آل عمران:179] قال مجاهد: ميَّز بينهم يوم أُحُد، وقال قتادة: ميز بينهم بالجهاد، والهجرة.
ثم قال تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [سورة آل عمران:179] أي: أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميِّز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك".

قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [سورة آل عمران:179] يقول بعضهم: أي: في اختيار النبوة من الذي يصلح لها ممن لا يصلح، وهذا بعيد، وإنما المعنى الصحيح هو ما ذكره ابن كثير - رحمه الله - في قوله: "أي: أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميِّز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك" أي أنكم لا تعرفون ما تكنه الضمائر، وما تنطوي عليه القلوب من النفاق، وإنما الذي يعلم ما في القلوب هو الله الذي خلقها، والناس ليس لهم إلا الظاهر، لكن  إذا قدر الله هذا الابتلاء فإنه بذلك يظهر ما تنطوي عليه القلوب ليكون ذلك معايناً مشاهداً، فتعرفون أحوال هؤلاء، فما كان الله ليطلعكم على الغيب، ولكن من حكمته أن قدر هذا الابتلاء حتى يظهر الصادق من الكاذب، ويتميز الصف، فتعرفون ذلك، وإلا لم يُعرف، ولم يُميز هؤلاء من هؤلاء، وهذا المعنى الذي ذكره ابن كثير هو الذي عليه المحققون من المفسرين كابن جرير وغيره.
"ثم قال تعالى: وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء [سورة آل عمران:179] كقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [سورة الجن:26-27]".

يعني أن الله إنما يطلع أنبياءه ﷺ على ما شاء أن يطلعهم عليه من الغيوب، وأما بقية الناس فإنهم لا سبيل لهم إلى الاطلاع على ذلك؛ لأن الوحي لا ينزل عليهم، وهذا الجزء من الآية: وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء [سورة آل عمران:179] هو الذي حدا ببعض المفسرين أن يقول: إن المراد بقوله: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [سورة آل عمران:179] أي من يستحق أن يُجتبى للنبوة، والرسالة كما قال الله : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [سورة القصص:68] وقال في موضع آخر: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [سورة الزخرف:32] يعني النبوة، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة الزخرف:32].
فالحاصل أن هذه هي القرينة التي جعلتهم يقولون هذا المعنى، والأقرب - والله تعالى أعلم - هو ما ذكرت من أن الناس لا سبيل لهم إلى الغيوب التي منها ما تكنه الصدور، وإنما يكون ذلك لمن اجتباهم الله فهو يطلعهم بوحيه، فيقدر هذه المحن فتعرفون ذلك ظاهراً، وأما أنتم فليس لكم إلى ذلك سبيل.
"ثم قال تعالى: فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أي: أطيعوا الله، ورسوله، واتبعوه فيما شرع لكم وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [سورة آل عمران:179]".

مرات الإستماع: 0

"ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:179] الآية خطابٌ للمؤمنين، والمعنى ما كان الله ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين، ولكنه ميّز هؤلاء من هؤلاء بما ظهر في غزوة أُحُد من الأقوال، والأفعال التي تدل على الإيمان، أو على النفاق."

فقوله - تبارك، وتعالى -: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ يقول: الآية خطابٌ للمؤمنين، وهذا ظاهر اختيار الحافظ ابن كثير - رحمه الله[1] وقبله قال به أبو جعفر بن جرير[2] مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وقال بعضهم: بأن الخطاب للمنافقين، والكُفار، يعني: ما كان ليذرهم على ما أنتم عليه من الكفر، والنفاق مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ أيها الكفار، وأهل النفاق عَلَيْهِ من الكفر، والنفاق، لكن هذا كما ترون بعيد، يعني: ما كان الله ليذرهم على الكفر.

وهكذا قال بعضهم بأن هذا الخطاب للمؤمنين، والمنافقين مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الذي حمل القائلين بأن هذا الخطاب للكفار، والمنافقين قالوا: إنه يتحدث عن المؤمنين بطريق الغيبة، ومُوجه الخطاب بطريق الخطاب مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ فكأن الخطاب لغير المؤمنين، هكذا فهموا من ظاهر السياق، ولكن مثل هذا لا يمنع من أن يكون الخطاب مُوجهًا للمؤمنين، كأنه يقول: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه، وتلوين الخطاب مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ من المخاطب بهذا؟ على القول الأول اختاره ابن جرير، وابن كثير أن الخطاب للمؤمنين كما قال ابن جُزي - رحمه الله - مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ فصرّف الخطاب هذا التصريف، وهو للمؤمنين، يعني: بمعنى أنه لابد من أن يُقدّر الله، ويُقيض من الابتلاء ما يحصل به الميز، والتمحيص، فيتميز أهل الإيمان من أهل النفاق، فالشدائد هي التي يحصل بها كشف الحقائق، ولو بقي الحال على نصرٍ، وعزٍ، وتمكين من أول وهلة لتتابع الناس على الدخول بالإيمان، أو إظهار الإيمان لما يحصل لهم بسبب ذلك من عرض الدنيا، النصر، والغنيمة، ونحو هذا، فهذه من مطالب النفوس، لكن حينما تحصل الهزيمة مرة، والنصر مرة، ويحصل الابتلاء، فهنا يتمحّص أهل الإيمان، ويتميّز الناس، وينكشف النفاق، وأهله، وهذا في زمن النبي ﷺ وفي كل زمان، فإذا رأيت بأوقات الشدة من يتلوّنون، ويُبدلون، ويُغيرون فلا غرابة، فذلك مقصودٌ للشارع، فبه تنكشف الحقائق، وتظهر مُخبآت النفوس، ويتساقط من لا يستحق أن ينتسب إلى هذه الثُلة التي يحصل على يدها النصر، والتمكين.

وانظروا إلى ما قصّه الله - تبارك، وتعالى - من خبر طالوت، فقد تتابع التساقط مرةً بعد مرة حتى بقيت الفئة القليلة، وهي التي تحقق على يدها النصر، أما أولئك الذين تساقطوا فغير مأسوفٍ عليهم، فلا تحزن على ساقط، ومنتكس، ومتراجع وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23] لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة:47] وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التوبة:46] فهذا تقديره - تبارك، وتعالى - المبني على علمه، وحكمته، فلا تحزن حينما ترى مثل ذلك، فهذه سنة الله - تبارك، وتعالى - في الخلق، تميز الصف سواء كان ذلك في ميدان الجهاد، أو كان في ميدان الدعوة، ولو بقي الناس على حالٍ من العافية لما ذهب الخبث، وإنما يذهب ذلك بفتنه على النار، فذلك الذي يُزيل خبثه، ويبقى خالصه، فهذا خطابٌ للمؤمنين - والله تعالى أعلم -.

يقول: ولكنه ميّز هؤلاء من هؤلاء بما ظهر في غزوة أُحُد من الأقوال، والأفعال التي تدل على الإيمان، أو على النفاق.

"وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران:179] أي: ما كان الله ليطلعكم على ما في القلوب من الإيمان، والنفاق، أو ما كان الله ليطلعكم على أنكم تَغلِبُون، أو تُغلَبُون."

هذا يحتمل، وهو مما يدخل في الغيب، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: "أي أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يُميّز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك"[3] وهذا جيد في المعنى، وبه قال أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله[4].

وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ لا تطّلعون على حقائق الأمور، وخبايا النفوس، ومُخبأت الضمائر، وليس يُكتب على جبين كل إنسان في الدنيا أنه مؤمن، أو منافق، أو كافر حتى يقرأه كل أحد، وإنما يُقيض من الأسباب ما يظهر به من حقائق النفوس ما حق بها، ويقر في القلوب مما لا يطلع عليه إلا الله - تبارك، وتعالى - فتكشفه هذه المقادير، هذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.

وبعضهم يقول: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ يعني: فيمن يستحق النبوة حتى يكون الوحي باختياركم، لكن هذا بعيد؛ لأن الآية تتحدث عن الابتلاء.

إذن وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ العلة حتى يميز الخبيث من الطيب وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وإنما تعرفون ذلك بما يُظهره الله - تبارك، وتعالى - كما في قوله: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12] فانكشف هذا، وظهر في الشدة، وأما أهل الإيمان: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22] واختيار الحافظ ابن كثير في المعنى هنا أن المقصود الشدة، والابتلاء التي يعقبها النصر، والتمكين[5] وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ يعني: من الشدة، والابتلاء الذي يعقبه النصر، لكن السياق يُبيّن المراد، والراجح من هذه الأقوال.

"وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي [آل عمران:179] أي: يختار من رسله من يشاء فيطلعهم على ما شاء من غيبه."

كأن هذا هو الذي حمل بعضهم على القول بأن المقصود بذلك الاختيار في النبوة، يعني: ليس لكم التخيُّر في هذا، وإنما الله - تبارك، وتعالى - هو الذي يختار، ويصطفي من عباده ما شاء، فكأنهم نظروا إلى هذا: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ فكأنها قرينة عندهم على هذا المعنى.

وقوله - تبارك، وتعالى -: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ كقوله: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26 - 27].

  1.  تفسير ابن كثير (2/173).
  2.  تفسير الطبري (6/262).
  3.  تفسير ابن كثير (2/173).
  4.  تفسير الطبري (6/265).
  5.  انظر: تفسير ابن كثير (6/391 - 392).