ثم أخبر بمآل أمرِ مالِه يوم القيامة فقال: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [سورة آل عمران:180].
روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له شجاعاً أقرعَ له زبيبتان يطوَّقه يوم القيامة، يأخذ بِلِهْزِمتيه (يعني بشدقيه) يقول: أنا مالك، أنا كنزك ثم تلا هذه الآية: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ [سورة آل عمران:180] تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه ابن حبان في صحيحه[1]".
هذا التفسير لا ينبغي العدول عنه؛ لأن النبي ﷺ ذكر فيه الآية، فليس مما يدخله الاجتهاد، بمعنى أن المفسر قد يعمد إلى حديث لم يتطرق فيه النبي ﷺ للآية، فقد يخطئ المفسر في الربط بين هذا وهذا، ولهذا كان معنى قوله: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [سورة آل عمران:180] أي: يكون طوقاً على أعناقهم كما في الحديث الآخر: من ظلم من الأرض شيئاً طُوِّقه من سبع أرضين[2]، وهذا خلافاً لمن قال: إن قوله: سَيُطَوَّقُونَ أي: أن الله يجعل لهم طاقة وقدرة على حمله يوم القيامة يعني يُحمَّلونه يوم القيامة.
وبعضهم يقول: هذا يدل على الملازمة كملازمة الطوق للعنق، أي أن ذلك يكون ملازماً لهم يوم القيامة، وهذه المعاني فيها بعد، والأقرب - والله تعالى أعلم -، بل المتعين في تفسير الآية هو ما دل عليه الحديث أنه يكون طوقاً يطوقه في عنقهم يوم القيامة.
وقوله تعالى: وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة آل عمران:180] أي وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله ، فقدموا لكم من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم.
وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [سورة آل عمران:180] أي: بنياتكم، وضمائركم".
قوله: وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي أنه خبير بنياتكم، وضمائركم، وسائر أعمالكم، ويعلم من يبخل، ومن يجود، فالله يعلم خفيات الأمور، ودقائق الأشياء، لا يخفى عليه منها خافية.
- أخرجه البخاري في كتاب الزكاة - باب إثم مانع الزكاة (1338) (ج 2 / ص 508).
- أخرجه البخاري في كتاب المظالم - باب إثم من ظلم شيئا من الأرض (2320) (ج 2 / ص 866) ومسلم في كتاب المساقاة - باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (1612) (ج 3 / ص 1231).
- أخرجه النسائي في كتاب الزكاة - باب التغليظ في حبس الزكاة (2441) (ج 5 / ص 11) وابن ماجه في كتاب الزكاة - باب ما جاء في منع الزكاة (1786) (ج 1 / ص 569) وأحمد (3577) (ج 1 / ص 377) وأصله في البخاري وقد سبق تخريجه في الحاشية رقم (2).