وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا [سورة آل عمران:186]، يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر، مسلياً لهم عما نالهم من الأذى من أهل الكتاب، والمشركين، وآمراً لهم بالصفح، والصبر، والعفو؛ حتى يفرج الله فقال تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [سورة آل عمران:186]".
قوله تعالى: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ بعض أهل العلم يفسره بعزمات الأمور أي مما يجب عليكم أن تعزموا عليه لكونه عزمة من عزمات الله ؛ لأن الله طلبه، وأمر به، وأحبه.
القطيفة هي مثل السرج الذي يوضع على الفرس، فما يوضع على ظهر الحمار تحت الراكب يقال له: قطيفة، والذي يوضع على الفرس يقال له: سرج، والذي يوضع على البعير يقال له: رحل..
وقوله: فدكية: منسوبة إلى فدك قريبة من خيبر.
يقول: "على أن يتوِّجوه، ويعصِّبوه " أي كانت عادتهم إذا ملَّكوا أحداً عليهم أن يتوجوه، ويعصبوه.
وقوله: "شرِق بذلك" الأصل أن شرق تقال إذا شرب الإنسان الماء، أو أكل شيئاً فوقف في حلقه، أو دخل في مجرى النفس، وكذلك يقال: شرق بهذا الأمر بمعنى أنه ساءه، وتلكأ فيه، ولم يقبله.
وكان رسول الله ﷺ وأصحابه يعفون عن المشركين، وأهل الكتاب؛ كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى".
طبعاً هذا قبل أن يُشرع الجهاد، حيث أمروا بالصفح، والعفو، والإغضاء، والتجاوز، لكن بعد أن شُرع الجهاد كان النبي ﷺ يجيش الجيش كما حصل في قينقاع، وقريظة، والنضير.
وكان النبي ﷺ يتأول في العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله ﷺ بدراً فقتل الله به صناديد كفار قريش؛ قال عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المشركين؛ وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه، فبايعوا رسول الله ﷺ على الإسلام؛ وأسلموا".
قول عبد الله بن أبي: "هذا أمر قد توجه" يعني مضى، وأخذ طريقه في القوة، والانتشار، وتجاوز مرحلة البداية، والضعف وما أشبه ذلك.
وقول ابن كثير: "وكان النبي ﷺ يتأول في العفو ما أمره الله به" المقصود بالتأول هنا التطبيق، والعمل، وهذا أحد معاني التأويل، فإذا قيل: يتأول قوله تعالى كذا فالمعنى أنه يمتثل.
- أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة آل عمران (4290) (ج 4 / 1663) ومسلم في كتاب الجهاد والسير - باب في دعاء النبي ﷺ وصبره على أذى المنافقين (1798) (ج 3 / ص 1422).