الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْا۟ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ۝ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة آل عمران:187-189].
هذا توبيخ من الله، وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد ﷺ، وأن ينوِّهوا بذكره في الناس، ليكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه".

هذا التفسير واضح أنه ينحى إلى أن هذه الآية في أهل الكتاب في قضية بيان ما عرفوا من أحقية ما جاء به الرسول ﷺ، وهذا الذي مشى عليه ابن جرير - رحمه الله -، وهذه الآية وإن سيقت لتقرير هذا المعنى؛ إلا أن ظاهر اللفظ أعم من ذلك، فيدخل في هذا المعنى وغيره من البيان، ويكون ذلك أيضاً متوجهاً لهذه الأمة، فأهل الكتاب قص الله عنهم أنهم كما قال: فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ [سورة آل عمران:187] فالبيان لا يختص بأهل الكتاب فهذه الآية وإن كانت فيهم؛ إلا أنه يؤخذ منها أنه يجب على من عرف الحق أن يبيِّنه للناس، فالله أخذ الميثاق على أهل الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ [سورة آل عمران:187] أي كل ما يجب عليهم بيانه، ومن ذلك أحقية ما جاء به الرسول ﷺ مما عرفوه في كتبهم، لكنهم جحدوا ذلك، وغيروا أوصافه، وكذّبوا به، وهكذا.
"فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك، وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف، والحظ الدنيوي السخيف؛ فبئست الصفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم، وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح ولا يكتموا منه شيئاً، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي ﷺ أنه قال: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار[1]".
  1. أخرجه أبو داود في كتاب العلم - باب كراهية منع العلم (3660) (ج 3 / ص 360) والترمذي في كتاب العلم -  باب ما جاء في كتمان العلم (2649) (ج 5 / ص 29) وابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم - باب من سئل عن علم فكتمه (264) (ج 1 / ص 97) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (223).

مرات الإستماع: 0

"لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] قال ابن عباس: هي لليهود أُخذ عليهم العهد في أمر محمد ﷺ فكتموه، وهي عامةٌ في كل من علمه الله علما."

هنا: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ظاهر أنها توبيخ لأهل الكتاب، وهذا الذي ذكره أبو جعفر بن جرير[1] والحافظ ابن كثير[2] حيث أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد ﷺ ويُنوهوا بذكره في الناس من أجل أن تتهيأ النفوس لاتباعه، والدخول في الإسلام، لكنهم ما فعلوا بل فعلوا عكس ذلك وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ يقول: قال ابن عباس: هي لليهود أُخذ عليهم العهد في أمر محمد ﷺ فكتموه، وهي عامةٌ في كل من علمه الله علما، هذا يؤخذ من عموم المعنى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ هذه في خصوص أهل الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ هذا من حيث المعنى عام؛ لأن النصوص جاءت دالّة على ذلك، كقوله ﷺ: من سُئل عن علمٍ فكتمه ألجمه الله بلجامٍ من نار يوم القيامة[3] فهذا يدل على أنه لا يجوز كتمان العلم، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى [البقرة:159] فهذا عام.

 

  1. تفسير الطبري (6/293).
  2. تفسير ابن كثير (1/6).
  3. سبق تخريجه.