الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ [سورة آل عمران:194] قيل: معناه على الإيمان برسلك، وقيل: معناه على ألسنة رسلك، وهذا أظهر".

رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ أي على الإيمان بهم، أو على ما ورد على ألسنتهم من الوعد بالجزاء، هذا معنى مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ [سورة آل عمران:194] والراجح المتبادر الذي رجحه هنا ابن كثير، وهو اختيار جماعة من المحققين كابن جرير، وابن القيم، أي ما وعدتنا على ألسنة رسلك، مع أن المعنى الأول تحتمله الآية، وبعضهم يقول غير هذا لكنها معانٍ بعيدة.
"وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [سورة آل عمران:194] أي: على رؤوس الخلائق".

أي لا تهتك سترنا، ولا تفضحنا، ومن هُتك ستره وفضح فقد عذب، ومن عذب فقد افتضح.
"إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ أي: لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك وهو القيام يوم القيامة بين يديك".

يلاحظ هنا أن المعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله - لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ يعني البعث، والقيامة، لكن الذي يظهر - والله أعلم - وما يدل عليه ظاهر القرآن إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ أي: المذكور قبله، وهو أنهم سألوا ربهم أن يوفي لهم ما وعدهم به على ألسنة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وذلك من الجزاء الحسن، والثواب، فيقولون: إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [سورة آل عمران:194] لكن يَحمِل بعضَ أهل العلم كالحافظ ابن كثير وجماعة ممن فسروا بمثل هذا على هذا التفسير أنهم ربما استشكلوا قولهم: إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [سورة آل عمران:194] كيف يقولون هذا في مقام الدعاء، والله لا يخلف وعده، ويوفي أهل الإحسان بالثواب، فكيف يقولون نسألك الثواب الذي وعدتنا على ألسنة الرسل: إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [سورة آل عمران:194]؟، فكأنهم رأوا أن هذا أمر غير لائق، وغير مستحسن، ولا يُظن أن أهل الإيمان يقولون مثل هذا، والمعنى لا إشكال فيه رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [سورة آل عمران:194] فهم يستعينون بالله ، ويطلبونه الثواب، وإنجاز ما وعدهم؛ لأن ذلك يتوقف على تحقق الشروط، وانتفاء الموانع من الإخلاص، والمتابعة، وما أشبه ذلك من شروط العمل الصالح، أي أن يكون على عقيدة صحيحة، ويرتفع عنه أسباب الحبوط من العجب، واتباع الصدقات بالمنِّ والأذى وما أشبه هذا مما تحبط به الأعمال، فيكون ذلك مضمناً لهذا المعنى كما ذكر ذلك الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، فتكون الآية متضمنة لسؤاله - تبارك وتعالى - التوفيق للعمل الصالح الذي يرضاه الله ، ويتقبله، فهو ثناء على الله، لكن الإشكال عند بعض المفسرين هو كما ذكرت وهو كيف أنهم في مقام الدعاء يقولون: أثبنا، وجازنا على أعمالنا الصالحة؛ إنك لا تخلف الميعاد؟.
"وقد ثبت أن رسول الله ﷺ كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده، فروى البخاري - رحمه الله تعالى - عن ابن عباس - ا - قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله ﷺ مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ثم قام فتوضأ، واستن، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى بالناس الصبح، وكذا رواه مسلم[1].
وروى ابن مردويه عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر - ا - وعبيد بن عمير إلى عائشة - ا - فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب، فقالت: يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول الشاعر: "زر غباً تزدد حباً" فقال ابن عمر: ذرينا، أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله ﷺ فبكت، وقالت: كل أمره كان عجباً، أتاني في ليلة حتى مس جلده جلدي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي قالت: فقلت: والله إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبَّد لربك، فقام إلى القربة فتوضاً، ولم يكثر صبَّ الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلَّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت: فقال: يا رسول الله! ما يبكيك وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر؟ فقال: ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي، وقد أنزل عليَّ في هذه الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها[2]".
  1. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة آل عمران (1665) (ج 4 / ص 1665) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (763) (ج 1 / ص 525).
  2. أخرجه ابن حبان (620) (ج 2 / ص 386) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

مرات الإستماع: 0

"ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ [آل عمران:194] أي: على ألسنة رسلك."

على ألسنة رسلك، يعني عَلى رُسُلِكَ: ألسنة رسلك، يعني بتقدير مضاف محذوف، ألسنة هذا المضاف المحذوف المُقدّر، ألسنة رُسُلك، أو مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ يعني: على تصديق رُسُلك، صدّقنا بهم، وآمنّا بهم، فقوله هنا: أي: على ألسنة رسلك باعتبار تقدير مُضاف محذوف هذا الذي اختاره المحققون، كابن جرير، وابن كثير، والحافظ ابن القيم، يعني مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ أي: على ألسنتهم حيث أخبروا بذلك، أن من آمن فله الجنة، والنعيم المقيم إلى آخره مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ بخلاف قول من قال: مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ يعني: على الإيمان برُسُلك.