الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - في قوله: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [سورة آل عمران:53]، قال: مع أمة محمد ﷺ، وهذا إسناد جيد".

قوله - تبارك، وتعالى - هنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ [سورة الصف:14]: قص الله علينا ذلك من أجل أن نقتدي بهم، كما قال في الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ [سورة الصف:14]، فذكر الله ذلك من أجل أن تقتدي بهم هذه الأمة في نصرة نبيها ﷺ، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
 وقوله هنا: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع أمة محمد ﷺ، وبعضهم يقول: اكتبنا مع الشاهدين أي: لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، ويمكن أن يعبر بعبارة أوسع من هذا كما يقول ابن جرير - رحمه الله -: بالحق، أي اكتبنا مع الشاهدين بالحق، ومن الحق الشهادة بالوحدانية، وللنبي ﷺ، وأنبيائه بالرسالة، وما إلى ذلك من المعاني الداخلة تحتها، أو: اكتبنا مع الشهداء الذين يشهدون لأممهم، فالأنبياء يشهدون، والأمم تشهد، وهذه الأمة تشهد، فلا يخص ذلك بأمة محمد ﷺ باعتبار أن هذه الأمة مما اختصها الله به أن تكون شاهدة على الأمم كما قال تعالى: َوَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ [سورة الحـج:78]، ولكن الشاهدين أوسع من هذا، فالأنبياء يشهدون، وأتباع الأنبياء أيضاً يشهدون، كما قال الله : َوَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء [سورة الزمر:69].

مرات الإستماع: 0

"بِمَا أَنْزَلْتَ [آل عمران:53] يريدون الإنجيل، والرسول هنا عيسى - عليه الصلاة، والسلام -."

آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ هو الإنجيل؛ لأن اليهود كذبوا به، فهؤلاء هذا قول الحواريين، يمكن أن يقال: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ الإنجيل، وما أنزل الله من الكتب، لكن هنا جاء ذلك في سياق خاص، وهو أن المسيح - عليه الصلاة، والسلام - قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ [آل عمران:52] فأعلنوا إيمانهم، وأعلنوا إيمانهم بالله، وبما أنزل، يعني: من الكتاب، أو الوحي على عيسى - عليه الصلاة، والسلام - وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ هو عيسى ﷺ. 

"مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53] أي مع الذين يشهدون بالحق من الأمم، وقيل: مع أمة محمد ﷺ لأنهم يشهدون على الناس."

مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع الذين يشهدون بالحق، يعني: أقروا لك بالوحدانية، وكذلك صدقوا الرسل - عليهم الصلاة، والسلام.

قال: أي مع الذين يشهدون بالحق، هذا الذي قاله ابن جزي - رحمه الله - وهو اختيار أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله -[1] مَعَ الشَّاهِدِينَ الذين يشهدون بالحق من الأمم، أو يقال كما سبق: يشهدون لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، أو للأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - عمومًا، أو اجعلنا مع الشاهدين: اجعلنا مع الأنبياء الذين يشهدون على أممهم فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] فالأنبياء يشهدون، وهذه الأمة شاهدة أيضًا، فالمعنى أعم من ذلك - والله تعالى أعلم -.

يقول: وقيل: مع أمة محمد ﷺ لأنهم يشهدون على الناس، وهذا مروي عن ابن عباس - ا - وجوّد إسناده الحافظ ابن كثير[2].

فيمكن أن يقال: بأن الشاهدين يشمل الأنبياء، الذين يشهدون على أممهم، ويشمل أيضًا هذه الأمة، أمة محمد ﷺ وكذلك من يشهدون لله - تبارك، وتعالى - بالوحدانية، ولرسله بالرسالة؛ لأنه أطلقه فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ - والله أعلم -.

وعبارة ابن جزي: الذين يشهدون بالحق، وهذا اختيار ابن جرير، يشهدون بالحق بالوحدانية، للأنبياء بالنبوة، والرسالة، وهكذا أيضًا الذين يشهدون على أممهم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] الأمة تشهد وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] فالنبي ﷺ أيضًا يشهد.

على كل حال: هم أعلنوا إيمانهم بما أنزل، قال: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الشاهدين بماذا؟ بالوحدانية آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وبالرسالة، والنبوة لعيسى  - عليه الصلاة، والسلام - وكذلك الذين يشهدون الأمم - والله أعلم -. 

  1. تفسير الطبري (13/583).
  2. انظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (2/46).