الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى منكراً عليهم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ [سورة آل عمران:70] أي: تعلمون صدقها وتتحققون حقها".

يقول سبحانه: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ، قال ابن كثير: "أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها"، يعني تعلمون أنها حق من الله تعالى، وهذا الذي عليه كثير من المفسرين من المحققين، كابن جرير، وابن القيم.
ومن أهل العلم من يقول: إن قوله: وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ أي: ما في كتبكم من ذلك، يعني أنكم تجدونه في كتبكم، أو وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ بمثلها من آيات الأنبياء، يعني أنتم لماذا تقرون للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - والنبي ﷺ قد جاء بنظير ذلك من الآيات، ثم تنكرونها؟!
وهذه الأقوال غير متعارضة، فالله ينكر عليهم هذا الكفر بآيات الله، وهم يعلمون أنها حق، باعتبار أنها موجودة في كتبهم، وعندهم أدلة تدل على أنها حق مما رأوا من رسول الله ﷺ من دلائل نبوته، فلا تعارض في هذا حيث يعرفون نعته -ﷺ، وأن الدين عند الله الإسلام.

مرات الإستماع: 0

حينما خاطبهم الله بهذا: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70] أي: تعلمون أن محمدًا ﷺ نبي، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [الأنعام:20].

وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: "أي تعلمون صدقه لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ يعني تعلمون صدقها"[1] وتتحققون حقها، وقيل: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ يعني تشهدون ما في كتبكم، من دلائل صدقها، نعت النبي ﷺ وأن دين الإسلام هو دين الحق، وهكذا أيضًا، أو تشهدون بمثلها، ونظيرها من آيات الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - فلماذا تكفرون بآيات الله؟

وابن جرير - رحمه الله - والحافظ ابن القيم قالوا: "المراد لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ أنه حق من عند ربكم"[2] وهذا لا ينافي ما سبق، تشهدون: تعلمون ذلك، وتجدونه في كتبكم، أنه حق من عند الله  وأنتم تشهدون، فكان كفرهم بآيات الله ليس عن جهل، وخفاء في دلائل الحق، وبراهينه، وإنما كان ذلك عن علم، ولكن حملهم عليه البغي، والحسد. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/59).
  2. تفسير الطبري (5/491) وانظر: مفتاح دار السعادة، ومنشور، ولاية العلم، والإرادة (1/91).