الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ، وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة آل عمران:71] أي: تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد ﷺ، وأنتم تعرفون ذلك، وتتحققونه".

قوله: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ لللبس المقصود به الخلط، أي لِمَ تخلطون الحق بالباطل؟ ومن أهل العلم من يقول: إن هذا الخلط المقصود به خلط اليهودية، والنصرانية بالإسلام، وهذا فعلاً من لبس الحق بالباطل، ومنهم من يقول كابن جرير: إن المراد بذلك إظهار الإيمان باللسان، والبقاء على يهوديتهم، أو نصرانيتهم في قلوبهم، يعني حينما أظهروا ذلك حيث منهم من أظهر هذا - كما سيأتي - بدليل قوله تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [سورة آل عمران:72].
وعلى كل حال لبس الحق بالباطل يدخل فيه هذا، فكل ذلك من لبس الحق بالباطل، ويدخل فيه أيضاً، والله أعلم ما كانوا يحرفونه، ومنه ما يحصل من ليِّهم ألسنتهم بالكتاب من أجل أن يوهموا أنه من كتاب الله ، وليس كذلك، ويحصل أيضاً بأنواع التحريف، كتحريف الألفاظ، وتحريف المعاني، فهذا كله من خلط الحق بالباطل، إلى غير ذلك مما يحصل به هذا التخليط.

مرات الإستماع: 0

"لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ [آل عمران:71] أي: تخلطون، والحق نبوءة محمد ﷺ والباطل الكفر به".

يخلطون، وهذا الخلط يقع على صور مختلفة من الإشراك، والابتداع، وغير ذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "حيث ابتدعوا دينًا لم يشرعه الله - هذا لبس الحق بالباطل، فأمروا بما لم يأمر به، ونهوا عن ما لم ينه عنه، وأخبروا بخلاف ما أخبر به"[1] هذا خلط الحق بالباطل، كل ذلك يضيفونه إلى الله .

والحافظ ابن كثير - رحمه الله - فسر هذا اللبس تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ يقول: "تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد ﷺ وأنتم تعرفون ذلك، وتتحققونه"[2].

وبعضهم يقول: تخلطون اليهودية، والنصرانية بالإسلام.

وحملها ابن جرير: على إظهار الإيمان باللسان[3] لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ إظهار الإيمان باللسان من غير أن يكون لذلك حقيقة، وكل هذا من اللبس، لبس الحق بالباطل، خلط الحق بالباطل، الابتداع في دين الله نسبة ذلك إلى الله: أنه أمر بكذا، ونهى عن كذا، مما ابتدعوه، واختلقوه، وهكذا أيضًا ما يقع من الإشراك، ونسبة ذلك إلى دين الله، أو كتم ما يجدونه في كتبهم، من صفات النبي ﷺ وحقية دين الإسلام، ويغيرون في هذه الأوصاف، يجدونه ربعة، يعني متوسط بين الطول، والقصر، فيقولون مثلًا: كان بائن الطول، تجدونه أبيض مشربًا بحمرة، فيقولون بأنه آدم، يعني أسمر مثلًا، فيلبسون الحق بالباطل، يغيرون صفة النبي ﷺ هذا كله داخل فيه.

فيكون ذلك بتغيير حقائق الدين، والإيمان، ونسبة ذلك إلى الله وتغيير أوصاف النبي ﷺ وما في كتبهم، وما يقع من التحريف، كل هذا لبس الحق بالباطل. 

  1. درء تعارض العقل، والنقل (1/220).
  2. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/59).
  3. تفسير الطبري (5/492).