يقول تعالى: إن الذين يعتاضون عما عاهدوا الله عليه من اتباع محمد ﷺ، وذكر صفته للناس، وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة، الفاجرة، الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة، وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة، أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ أي: لا نصيب لهم فيها، ولا حظَّ لهم منها.
َوَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: برحمة منه لهم، يعني لا يكلمهم كلام لطف بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة،، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ أي: من الذنوب، والأدناس، بل يأمر بهم إلى النار، ولهم عذاب أليم".
لماذا قال هنا: "لا يكلمهم كلام لطف بهم"، وقال: "ولا ينظر إليهم بعين الرحمة"؟
قال ذلك لأنه يكلمهم كلاماً فيه توبيخ لهم كما قال تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [سورة المؤمنون:108] فهذا تكليم لهم، لكن المقصود أنه لا يكلمهم كلام تكريم، ولطف، فلهذا قيده، وكذلك قال: لا ينظر إليهم بعين الرحمة؛ لأن الله ينظر إلى خلقه أجمعين، وهو مطلع عليهم، وبصره نافذ فيهم، لكن النظر يطلق على معنىً خاص، وهذا هو المنفي هنا.
الحديث الأول:
روى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم قلت: يا رسول الله، من هم خابوا، وخسروا؟ قال: وأعاده رسول الله ﷺ ثلاث مرات قال: المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان[1]، ورواه مسلم، وأهل السنن.
الحديث الثاني:
روى الإمام أحمد عن عدي بن عميرة الكندي قال: خاصم رجل من كندة يقول له امرؤ القيس بن عابس، رجلاً من حضرموت إلى رسول الله ﷺ في أرض، فقضى على الحضرمي بالبينة، فلم يكن له بينة، فقضى على امرئ القيس باليمين، فقال الحضرمي: إن أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهبتْ، ورب الكعبة أرضي، فقال النبي ﷺ: من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد، لقي الله ، وهو عليه غضبان قال رجاء أحد رواته: وتلا رسول الله ﷺ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ، وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً [سورة آل عمران:77] فقال امرؤ القيس: ماذا لمن تركها يا رسول الله؟ فقال: الجنة قال: فاشهد أني قد تركتها له كلها [ورواه النسائي:][2].
الحديث الثالث:
روى أحمد عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله ، وهو عليه غضبان، فقال الأشعث: فيَّ والله كان ذلك، كان بيني، وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى رسول الله ﷺ، فقال لي رسول الله ﷺ: ألك بينة؟، قلت: لا. فقال لليهودي: احلف، فقلت: يا رسول الله إذن يحلفَ فيذهبَ مالي، فأنزل الله : إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً.. الآية [سورة آل عمران:77] [أخرجاه:][3].
الحديث الرابع:
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعة بعد العصر - يعني كاذباً -، ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفّى له، وإن لم يعطه لم يفِ له ورواه أبو داود، والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح[4].
- أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم (106) (ج 1 / ص 102) وأبو داود في كتاب اللباس - باب ما جاء في إسبال الإزار (4089) (ج 4 / ص 100)، وأحمد (21356) (ج 5 / ص 148)، والترمذي في كتاب البيوع - باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبة (1211) (ج 3 / ص 516)، والدارمي في كتاب البيوع - باب في اليمين الكاذبة (2605) (ج 2 / ص 345).
- أخرجه أحمد (17752) (ج 4 / ص 191)، والنسائي في السنن الكبرى (5996) (ج 3 / ص 486)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
- أخرجه البخاري في كتاب الخصومات - باب كلام الخصوم بعضهم في بعض (2285) (ج 2 / ص 851)، ومسلم في كتاب الإيمان - باب، وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار (138) (ج 1 / ص 122).
- أخرجه البخاري في كتاب الشهادات - باب اليمين بعد العصر (2527) (ج 2 / ص 950)، ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم (108) (ج 1 / ص 103).