الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادًا لِّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا۟ رَبَّٰنِيِّۦنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ۝ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [سورة آل عمران:79 - 80].
"أي ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب، والحكم، والنبوة أن يقول للناس: اعبدوني من دون الله، أي مع الله، فإذا كان هذا لا يصلح لنبي، ولا لمرسل، فلئلا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى، والأحرى، فالجهلة من الأحبار، والرهبان، ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم، والتوبيخ، بخلاف الرسل، وأتباعهم من العلماء العاملين؛ فإنهم إنما يأمرون بما أمر الله به، وبلغتهم إياه رسله الكرام، وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه، وبلغتهم إياه رسله الكرام، فالرسل - صلوات الله، وسلامه عليهم أجمعين - هم السفراء بين الله، وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرسالة، وإبلاغ الأمانة، فقاموا بذلك أتمَّ قيام، ونصحوا الخلق، وبلغوهم الحق.
وقوله: وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [سورة آل عمران:79] أي، ولكن يقول الرسول للناس: كونوا ربانيين، قال ابن عباس - ا -، وأبو رزين، وغير واحد: أي حكماء علماء حلماء.
وقال الضحاك في قوله: بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [سورة آل عمران:79] حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيهاً، وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ تحفظون ألفاظه".

فقوله تبارك، وتعالى: وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ، بعض أهل العلم يقول: هذا منسوب إلى الرب، والرب يطلق على معانٍ - كما سبق في الكلام على الفاتحة - منها السيد، ومنها المربي الذي يربي خلقه بالنعم الظاهرة، والباطنة، يربي قلوبهم بالإيمان، ويربي أجسادهم بما يسبغ عليهم من نعمه، وإفضاله، وعطائه، وجوده، فالرباني هنا من أهل العلم من يقول: إنه منسوب إلى الرب، ففيه معنى التربيب، والتربية، فهو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، ومنهم من يقول: وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ، يعني أرباب العلم، يعني العالمين بدين الرب - تبارك، وتعالى -، ورب الشيء هو صاحبه، كما في قول عبد المطلب: أنا رب الإبل، والبيت له رب يحميه، يعني أنا صاحب الإبل، فمنهم من يقول: إن الربانيين بمعني الأصحاب، أى أنهم أصحاب العلم، يعني أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الرباني منسوب إلى الرَّبَّان.
وعلى كل حال، كثير من السلف يجمع في معناها، وتفسيرها بين العلم، والحكمة، أو العلم، والعمل، والذي يظهر - والله أعلم - أن هذه اللفظة لا تدل على العلم فحسب، بل هي تدل على العلم، وعلى معنىً آخر، فمعنى الحكمة، والفقه متحقق فيها، ويضاف إلى ذلك العالم الذي يعمل بعلمه، ويعلم الناس صغار العلم قبل كباره، ويكون مصلحاً لغيره، فهو الذي يُحسن سياسة الناس بهذا العلم، ويتكلم حيث يظن أن الكلام ينفع، ويمسك عن بعض العلم حيث لا يكون محلاً لبثه، وإشاعته، وما إلى ذلك من المعاني، فهي تشمل هذه الأقوال التي قالها السلف .
وقوله تبارك، وتعالى: بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [سورة آل عمران:79]، أي بسبب كونكم عالمين بالكتاب، وبسبب دراستكم للعلم، فإن هذا يحمل، ويقتضي من صاحبه أن يكون ربانياً، أي أن يكون عاملاً بعلمه، وأن يكون حكيماً مصلحاً لحاله، ولحال غيره.
وهذا على هذه القراءة، وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، يعني بهذا السبب، أي أن تعليمكم الكتاب ينتج عنه هذه الصفة، والمعنى كونوا ربانيين بسبب تعليمكم؛ فإن الذي يعلم الناس بالكتاب ينبغي أن يكون عاملاً، وأن يكون حكيماً في تعليمه، فلا يلقي عليهم كل ما يعلمه، وإنما يلقي عليهم ما يصلح لمثلهم في كل مقام بحسبه، ومن ذلك أنه يعلم الناس صغار العلم قبل كباره، ويحمله تعليم الكتاب، أو العلم بالكتاب إلى العمل به، وإلى أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر أيضاً، وحثهم على طاعة الله ، وما أشبه ذلك.
وعلى القراءة الأخرى - قراءة أبي عمرو، وأهل المدينة -: بِمَا كُنتُمْ تَعْلَمون الْكِتَابَ - بفتح التاء، وتخفيف اللام المفتوحة - يكون المعنى كونوا ربانيين بسبب علمكم بالكتاب.
ومن أشمل من تكلم في هذه الآية - فيما وقفت عليه - ابن جرير - رحمه الله تعالى -،
وخلاصة كلامه:
يقول ابن جرير - رحمة الله تعالى عليه -: قال أبو جعفر، وأولى الأقوال عندي بالصواب في الربانيين أنهم جمع رباني، وأن الرباني الذي يرب الناس، وهو الذي يصلح أمورهم، ويربها، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأً أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني فضعت ربوب
يعني بقوله: ربتني: ولي أمري، والقيام به قبلك من يربه، ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنهم أضاعوني فضعت، يقال منه: رب أمري فلان، فهو يربه رباً، وهو رابه، فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل: هو ربان، كما يقال: هو نعسان من قولهم: نعس ينعس، وأكثر ما يجيء من الأسماء على فعلان ما كان من الأفعال ماضيه على فَعِل، مثل قولهم: هو سكران، وعطشان، وريان، من سَكِر يسْكَر، وعطش يعطش، وروي يروى، وقد يجيء مما كان ماضيه على فَعَل يفعُل نحو ما قلنا من نَعَس ينعُس، ورب يرب.
قال: فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، وكان الربان ما ذكرنا، والرباني هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي، وصفت، وكان العالم بالفقه، والحكمة من المصلحين يرب أمور الناس، بتعليمه إياهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التقي لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم، وآجلهم، وعائدة النفع عليهم في دينهم، ودنياهم، كانوا جميعاً يستحقون أن يكونوا ممن دخل في قوله : وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ [سورة آل عمران:79].
فالربانيون إذاً هم عماد الناس في الفقه، والعلم، وأمور الدين، والدنيا، ولذلك قال مجاهد: وهم فوق الأحبار؛ لأن الأحبار هم العلماء، والرباني الجامع إلى العلم، والفقه، والبصر بالسياسة، والتدبير، والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم، ودينهم".

يعني ليس الفقيه فقط، أو العالم فقط، بل العالم الذي يربي الناس، ويرجعون إليه، ويفزعون إليه فيما نابهم في مشكلاتهم، ويكون له قيام بالحق، ودعوة لهؤلاء الناس، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وما أشبه ذلك.

مرات الإستماع: 0

"مَا كَانَ لِبَشَرٍ [آل عمران:79] هذا النفي متسلط على ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ، والمعنى: لا يدعي الربوبية من آتاه الله النبوءة، والإشارة إلى عيسى   ردّ على النصارى الذين قالوا: إنه الله، وقيل: إلى محمد ﷺ لأن اليهود قالوا: يا محمد: تريد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى؟ فقال: معاذ الله ما بذلك أمرت، ولا إليه دعوت[1]."

مَا كَانَ لِبَشَرٍ [آل عمران:79] هذا يقول النفي متسلط على، ثم يقول للناس يعني ما كان لبشرٍ من صفته، ما ذُكر أن يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] لا يمكن لبشر يوحى إليه، ويؤتى الكتاب، ثم بعد ذلك يطالب الناس بعبادته من دون الله وهنا بقوله: بأن ذلك رد على النصارى حيث ادعوا إلهية المسيح  - عليه الصلاة، والسلام - هذا داخل فيه، وما ذكره من أن ذلك فيما روي عن اليهود، أنهم قالوا: يا محمد: تريد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى؟ هذا لا يصح من جهة الإسناد، هذا أخرجه البيهقي في الدلائل، وابن جرير في التفسير، وفي سنده محمد بن أبي محمد، هذا لا يصح.

لكن هذه الآية عامة ما كان لبشرٍ من صفته ما ذُكر يوحي الله إليه يكون نبيًّا ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] فهذا فيه رد على النصارى، ورد على اليهود عمومًا، وأيضًا بيان لحقيقة ثابتة، وهي: أن مثل هذا لا يتأتى، ولا يكون بحالٍ من الأحوال.

"قوله: رَبَّانِيِّينَ جمع رباني، وهو العالم، وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره."

يعني يقول لهم: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] يقول: جمع رباني، وهو العالم، وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، عبارات السلف في الرباني عبارات متقاربة، يمكن من مجموعها أن يُفسر الرباني، فهو منسوب إلى الرب، وهذه اللفظة فيها معنى التربيب، والتربية، ولذلك من معاني الرب: أنه الذي يربي خلقه بالنعم الظاهرة، والباطنة، والحسية، بما يغذيهم به في أجسادهم، والنعم التي يفيضها على الأرواح في الوحي، وانزال الكتاب، وما إلى ذلك، الهدايات، والألطاف الربانية، فهنا كونوا ربانيين، كبارات أهل العلم علماء، حكماء، حلماء، مخلصين للرب، متعبدين له، معلمين الناس، تربونهم بصغار العلم قبل كباره، كل هذا داخلٌ فيه فإن الرباني لا يكون كذلك، إلا أن يكون مستجمعًا لأوصاف لابد منها، رباني، فلابد أن يكون عالمًا، فهذا هو الوصف الأول، فإن الجاهل لا يكون ربانيًّا، ولابد فيه من الإخلاص، وهو منسوب إلى الرب، يعني أن أمره لله، ولا يجلس للناس، ويتصدر من أجل أخذ دنياهم، يأخذ أجرة على هذا بطريقة، أو بأخرى، يتكسب بالدعوة إلى الله هذا لا يكون ربانيًّا، وكذلك حينما يكون مطلوبه، ومقصوده هو العلو في الأرض، أو ذيوع الصيت، حصول الجاه، والشهرة، أو التعظيم في قلوب الناس، وما إلى ذلك، هذا لا يكون ربانيًّا هذا مرائيًا.

والحديث: أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة[2] وذكر منهم العالم، أو القارئ الذي قرأ ليُقال ذلك، فهذا أبعد ما يكون عن صفة الرباني، فلابد أن يكون عالمًا، ولابد أن يكون مخلصًا، ولابد أن يكون حكيمًا: لأن الإنسان قد يكون من أوعية العلم، ولكنه أحمق لا يصلح لتوجيه الناس، ولا يصلح أن يرجع إليه الناس فيما نابهم؛ لأنه لا يكون موفقًا مسددًا فيما يرشدهم إليه، ليس بحكيم، قد يحملهم على أمورٍ لا تُحمد عواقبها في عجلة، في طيش، في خفة، فالعلم غير العقل، والحلم فقد يكون عالمًا، لكن لا عقل له.

فالعلم غير العقل، وغير الذكاء، أيضًا قد يكون من أذكياء العالم، ولكن لا عقل له يحمل عقل خفيف كعقل الطير، أو كخفة الطير، فهذا لا يكون ربانيًّا، كذلك لا يكون ربانيًّا، وهو جاف من جهة التعبد، والذكر لله وإنما يحمل علمًا يمارسه، ويزاوله مزاولة أصحاب المهن، يعني بعض الناس يفعل هذا؛ لأن هذه، وظيفته التي يكتسب منها، قد يكون حاذقًا في العلم متقنًا له، ولكن هي وظيفة يؤديها إما تحقيق، محقق للكتب مثلًا عُرف بهذا، أو كان معلمًا يعلم الناس كوظيفة يؤديها يأخذ عليها المال، وقد يكون ذلك هواية من الهوايات التي يزاولها، يعني من الناس من يكونوا من قبيل الهواة، تجد الرجل لا سمت له حليق، وربما مدخن، وهو مغرم بالتراث، لا تسأله عن: مخطوط، ولا مطبوع، ولا طبعات قديمة، ولا طبعات حديثة، إلا وجدته موسوعة في هذا، وربما يعرف ما يتعلق بهذه الكتب، أو بعض الطرائف، أو بعض اللطائف، أو بعض النكات، أو نحو ذلك في الجزء، والصفحة يستخرجها من الكتب، ويقرأ لربما آلاف المجلدات، وهو في يومه، وليلته لربما يقرأ ستة عشرة ساعة، وأكثر، وهو عاكف على البحث، والمطالعة، والقراءة، ولكن إذا نظرت إلى العمل أبعد ما يكون عن هذا، فهذا لا يكون ربانيًّا، هذا موجود، لا يكون ربانيًّا، بل إن بعضهم أحد المحققين لا يصلي بشهادة أخيه المحقق الكبير الآخر، يقول بعض من حضر معهم: أردنا أن نصلي، بمكانهم يصلون، بعضهم لا يصلي مع الجماعة أصلًا، فيقول: أقمنا الصلاة، وهذا جالس فقُلت: هذا لا يصلي معنا، فقال كلمة صعب أن تُقال في هذا المكان، أخوه قال عنه كلمة، محقق، فمن الناس من يتخذ هذه وسيلة للتكسب، ومنهم من يتخذها، وسيلة للشهرة، ومنهم من يتخذ ذلك يكون من قبيل الهوايات، والميول؛ لأن عنده رغبة جامحة، وميول قوية لهذا، كأنه خُلق له هو لا يتكلفه، لكن العمل بمنأى تمام عن هذا.

وأحد هؤلاء لما أنكر عليه أحدهم، حينما بدأ يدخن، شتمه، وسبه، وشتم أسرته التي ينتمي إليها، وهذا من أكبر المحققين، فهذا لا يكون ربانيًّا، هؤلاء لا يكونوا ربانيين أبدًا، وإنما يكون ذلك أشبه ما يكون بالمهن التي يزاولها الناس، مهنة، ثم ينتهي، وينتهي ذكره، ولا يكون له وقع في نفوس الناس، إذا نظرت إلى الأعمال، والكتب، والتحقيقات، ونظرت لهيئة الإنسان بعيد عن التدين أصلًا.

ومن صفات الرباني كذلك في التعليم تعلمون الناس صغار العلم قبل كباره، وهو عائدٌ إلى الحكمة، والذي يعلم الناس ينبغي أن يكون يعلمهم ما يعلم، يعلمهم بعلم لا يعلمهم بجهل، وهذه بلاغة عن الله وليست بالأمر السهل، فيدخل فيها التعليم، ويدخل فيها العقل، والحلم، والحكمة، والإخلاص لله .

وابن جرير - رحمه الله - يقول: بأنه منسوب إلى الربان، أو إلى الربِّ[3] لاحظ عبارة ابن جرير يقول: فهو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، أو هم أرباب العلم، أو العالم بدين الرب، يعني العالم بدين الرب، يعني العالم الشرعي القوي المتمسك بطاعة الله[4].

وابن جرير - رحمه الله - له كلام أكثر من هذا أيضًا، ذكر فيهم أنهم الذين يرجع إليهم الناس فيما نابهم، أي: أنهم يسوسون الناس بهذا العلم كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79].

فهذا يكون لمن تحقق بمجموع هذه الأوصاف، حتى صار مرجعًا للناس فيما نابهم، فيجدون من العلم، والحكمة، وحسن التوجيه، والتعليم، كلٌ بحسبه فهذا هو الرباني - والله تعالى أعلم -.

"قوله: بِما كُنْتُمْ الباء سببية، وما مصدرية."

بِما كُنْتُمْ يعني بسبب كونكم تُعلمون الكتاب، أو تَعلمون الكتاب، وما مصدرية يعني بهذا الاعتبار يكون بما كنتم، أي: بكونكم؛ نصوغ المصدر أنه: ولكن كونوا ربانيين بكونكم تُعلمون الكتاب، أو تَعلمون الكتاب. 

"تُعَلِّمُونَ بالتخفيف تعرفون، وقرئ بالتشديد من التعليم."

قراءة أبي عمرو، وأهل المدينة بالتخفيف: تَعلمون، والكتاب كما تعلمون على قراءة نافع المدني، وجاء بها هنا بما كنتم تَعلمون الكتاب، قراءة الجمهور بالتشديد بما كنتم تُعلمون.

قال: من التعليم يعني بسبب تعليمكم، وعلى القراءة الأولى بما كنتم تعلمون، أي بسبب كونكم عالمين، فإن حصول العلام للإنسان تحققه بالعلم، والدراسة له، بما كنتم تدرسون يتسبب عنها الربانية التي هي التعليم للعلم، ومع صلاح الحال، والتمسك بمقتضى ذلك، فالقاعدة: أن القراءتين إن كان لكل قراءةٍ معنى فهما كالآيتين، فقوله هنا: (بما كنتم تَعلمون الكتاب) يعني كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، فدل على أن العلم بالكتاب هو أساس في الربانية، أن يكون عالمًا في الكتاب، وينبغي أن يكون العلم بالكتاب حاملا ًعلى هذا الوصف أن يتحقق صاحبه بذلك، أن يكون ربانيًّا، وبما كنتم تُعلِّمون الكتاب على هذه القراءة المتواترة، بما كنتم تُعلمون الكتاب، فينبغي أن يكون تعليم الكتاب حاملًا على هذا الوصف، ولا يكون ذلك وظيفة يؤديها الإنسان، ويتقاضى عليها مالًا، ثم لا يكون حاله مما يتفق مع هذا الاشتغال - والله المستعان -.

فبما كنتم تَعلمون الكتاب، وبما كنتم تُعلمون الكتاب، كل ذلك ينبغي أن يكون سببًا للتحقق بهذا الوصف، يعني تُعلمون الكتاب، وهذا يتضمن علمكم به، هم يعلمون بعد ما علموا.

  1.  - تفسير الطبري (5/525) ودلائل النبوة للبيهقي (5/384).
  2.  - أخرجه مسلم بلفظ: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد. . . ، الحديث كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء، والسمعة استحق النار، برقم (1905).
  3.  - انظر: تفسير الطبري (5/529).
  4.  - تفسير الطبري (5/530).