الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا۟ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّۦنَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال الله تعالى: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ، وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا [سورة آل عمران:80] أي: ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب.
أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [سورة آل عمران:80]، أي لا يفعل ذلك لأن من دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [سورة الأنبياء:25]، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ الآية [سورة النحل:36]، وقال: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [سورة الزخرف:45]، وقال إخباراً عن الملائكة عليهم السلام: وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء:29].

مرات الإستماع: 0

"وَلا يَأْمُرَكُمْ بالرفع: استئناف، والفاعل الله، أو البشر المذكور، وقُرئ بالنصب عطفٌ على أن يؤتيه، وفي نسخة عطفًا على أن يؤتيه، أو على، ثم يقول: والفاعل على هذا البشر."

وَلا يَأْمُرُكُمْ بالرفع: استئناف، والفاعل الله، أو البشر المذكور يعني: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ [آل عمران:79] وكأن هذا - والله أعلم أقرب - وَلا يَأْمُرَكُمْ هو لأن القاعدة: أن التوحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا [آل عمران:80] يعني يكون هذا من صفته أنه لا يدعي لنفسه الإلهية، ولا أيضًا يأمركم بحال من الأحوال أن تتخذوا أحدًا غير الله من الملائكة، والنبيين أربابًا من دون الله، إنما يدعوا إلى عبادة الله، وحده.

فيقول: بالرفع استئنافاً، يعني جملة جديدة، وقُرئ بالنصب عطفٌ على أن يؤتيه.

وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا [آل عمران:80] أو على، ثم يقول، والفاعل على هذا البشر، يعني: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ [آل عمران:79] فيكون العطف على هذا الاحتمال الأول، أو على، ثم يقول: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ [آل عمران:79] يعني على الأول ما كان لبشر أن يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [آل عمران:80] هذا يقول إنه معطوف على أَنْ يُؤْتِيَهُ [آل عمران:79] أن يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [آل عمران:80] ثم يقول: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ [آل عمران:79] ثم يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [آل عمران:80] فيكون عائدًا على هذا، أو هذا، والثاني أقرب - والله أعلم - ثم يقول للناس: أن يكون هذا موضع الارتباط أن يكون معطوفًا على: ثُمَّ يَقُولَ [آل عمران:79]؛ لأن الأوصاف المذكورة قبله تمنع من وقوعه، وهذا أقرب - والله أعلم -.

وعلى قراءة الرفع تكون جملة استئنافية، يعني لا ترتبط بما سبق وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ [آل عمران:80] وعلى هذه القراءة أيضًا الأقرب - والله أعلم - أن ذلك يرجع إلى هذا الموصوف، نفى عنه ادعاء الإلهية لنفسه، وأن يُعبد من دون الله، أو أن يرشد إلى عبادة أحدٍ سوى الله - تبارك، وتعالى - إنما يكون داعيًا إلى الله وحده - والله أعلم -.