الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۦنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥ ۚ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِى ۖ قَالُوٓا۟ أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَٱشْهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ۝ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة آل عمران:81 - 82].
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم إلى عيسى لَمَهْمَا آتى الله أحدهم من كتاب، وحكمة، وبلغ أي مبلغ، ثم جاءه رسول من بعده ليؤمنن به، ولينصرنه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم، والنبوة من اتباع من بعث بعده، ونصرته، ولهذا قال تعالى، وتقدس: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ أي: لَمَهْمَا أعطيتكم من كتاب، وحكمة".

قوله تبارك تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ الميثاق: هو العهد المؤكد، والمعنى أن الله أخذ عليهم الميثاق بالإيمان بكل رسول يبعثه الله ، فيدركه زمانهم بحيث يتابعونه، ويصدقونه.
وقوله تبارك، وتعالى: لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ كلام أهل العلم كثير في تفسير هذه اللفظة لَمَا، والمراد بها، وقد سأل عنها سيبويه شيخه الخليل - رحمهما الله - ففسرها بمعنى قريب، حيث فسرها بمعنى الذي، وهذا هو المتبادر، - والله تعالى أعلم -، أي لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ بمعنى للذي آتيتكم من كتاب، وحكمة، فـ"ما" بمعنى الذي، واللام هذه، منهم من يقول: إنها للتحقيق، ومنهم من يقول: غير ذلك، وهذا المعنى ظاهر، وهو المتبادر، - والله تعالى أعلم -.
وقوله: لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وفي قراءة حمزة - وهي قراءة متواترة - قرأها بكسر اللام في (لِمَا)، والتعليل في هذه القراءة أظهر. 
"ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [سورة آل عمران:81]، وقال ابن عباس - ا -، ومجاهد، والربيع، وقتادة، والسدي: يعني عهدي، وقال محمد بن إسحاق: إصري: أي ثقل ما حملتم من عهدي: أي ميثاقي الشديد المؤكد".

الإصر هو بمعنى العهد المؤكد، الموثق، المشدد فيه، فهذه اللفظة تدل على معنى التشديد، فقوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [سورة الأعراف:157]  يعني التكاليف الشاقة.
وعلى كل حال سواء كان هذا بإلزام الله لهم بذلك، أو بما أخذ عليهم من المواثيق، والعهود فالمقصود أن فيها معنى التشديد، فقوله: وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي يعني العهد الموثق المشدد فيه، - والله أعلم -.
قوله: لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ أي الكتاب الذي أنزله الله عليهم، والحكمة يعني ما أوحي إليهم من غير الكتاب أي السنّة - كما سبق في كلام ابن جرير -، وليس بالضرورة أن يكون المقصود سنة النبي ﷺ، فالأنبياء يوحى إليهم أشياء غير الكتاب الذي ينزل عليهم.

مرات الإستماع: 0

"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران:81] معنى الآية: أنّ الله أخذ العهد، والميثاق، على كل نبيّ أن يؤمن بمحمد ﷺ وينصره إن أدركه."

 هذا وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] فهذا يحتمل أن يكون الإيمان بمحمد ﷺ أخذ عليهم العهد، والميثاق أن يؤمنوا به إذا بُعث، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ونسبه إلى الجمهور[1] الميثاق، والعهد بالإيمان بالنبي ﷺ وبنصره، أن ينصره بصرف النظر عن وقت أخذ هذا الميثاق، يحتمل - كما قال ابن عطية  رحمه الله -: " أن يكون أخذ هذا الميثاق حين أخرج بني آدم من ظهر آدم نسما، ويحتمل أن يكون هذا الأخذ على كل نبي في زمنه، ووقت بعثه"[2] وكأن هذا أقرب؛ لأن الميثاق الأول الذي استخرجهم كهيئة الذر من ظهر آدم   هو وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف:172] هو في هذا، وعلى كل حال.

وقوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] يعني على هذا إذا قُلنا: أنه أخذ الميثاق، لاحظ: صيغة الجمع لَمَا آتَيْتُكُمْ كأن هذه القرينة هي التي حملت البعض، بعض العلماء على القول بأن ذلك حينما استخرجهم من ظهر آدم كهيئة الذر؛ لأنه خاطب مجموع لَمَا آتَيْتُكُمْ لكن الذين يقولون: إن ذلك يمكن أن يكون لكل نبيٍ في زمنه فيه، طيب كيف جاءت اللفظة لَمَا آتَيْتُكُمْ؟ قالوا: باعتبار المجموع، فكل واحد منهم لما آتيتك من كتابٍ، وحكمة، لكن لما حدّث عن مجموعهم فجمع اللفظ في حكاية الحال، وذهب جماعة من السلف، وهو مروي عن عليٍ، وابن عباس : أن المراد الإيمان بالنبي ﷺ كما سبق[3] لكن ذهب بعضهم - بعض السلف - إلى أن ذلك كطاووس، قتادة، والحسن، إلى أن يصدق بعضهم بعضًا[4] يعني إن أُخذ عليهم الميثاق، أنه إذا بُعث نبي في زمنك، أدركته أن تصدقه، وأن تنصره.

الواقع أن بين المعنيين ملازمة كما قال الحافظ ابن كثير[5] يعني: لا نحتاج أن نُرجح، فإذا كان الله - تبارك، وتعالى - قد أخذ عليهم الميثاق أنه إذا بُعث نبي في زمنه أن ينصره، فلو بُعث النبي ﷺ في زمنه فهو مأمورٌ بالإيمان به، ونصره، فذلك داخلٌ فيه، فالنبي ﷺ من جملة الأنبياء، فهو داخلٌ في هذا أن يصدق بعضهم بعضًا، وأن ينصر بعضهم بعضًا، وهذا أوفق.

لكن الذين قالوا كشيخ الإسلام، وأضاف إلى الجمهور، بأن ذلك في النبي ﷺ خاصة، يمكن أن يُقال، والله أعلم هذا، كأنهم اعتمدوا على أن هذا تفسير صحابي، والآخر من قول التابعي، وتفسير الصحابي مقدم على غيره، ولو كان ظاهر السياق لا يدل عليه، تفسير الصحابي مقدم على غيره باعتبار أنهم أعلم بالقرآن، ومعانيه، وهم أعلم بما نزل، فهذا لا شك أنه مبني على أصل صحيح: هو تقديم قول الصحابي على غيره، فيكون بهذا الاعتبار وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] فحمله على النبي ﷺ في هذا الاعتبار، تفسير صحابي، لكن قد لا ينفي ذلك أخذ الميثاق عليهم بالإيمان بكل نبيٍ يُبعث في زمانهم، وبنو إسرائيل كان الأنبياء فيهم كُثر في الوقت الواحد، يعني كان يسوسهم الأنبياء هذه الأمة انقطعت النبوة، فلا نبي بعد النبي ﷺ فتسوسهم العلماء، لكن بنو إسرائيل كان يسوسهم الأنبياء، حتى إنهم قتلوا في يومٍ سبعين نبيًّا، هذا يدل على الكثرة، يحيى، وعيسى - عليهما السلام - كانا في وقتٍ واحد، يقولون: بينهما ستة أشهر، يعني إن يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر. 

" قال: وتضمن ذلك أخذ هذا الميثاق على أمم الأنبياء."

إذا أُخذ الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا، فهم مطالبون أيضًا بالبلاغ، وأن يكون أتباعهم على هذا الميثاق، ولابد - والله أعلم -.

"واللام في قوله: لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] وفي نسخة لما آتيتكم، لام التوطئة؛ لأنّ أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف، وفي أربع نسخ: في معنى الاستحلاف، وفي نسخة: في معنى الاستحقاق، واللام في لَتُؤْمِنُنَّ [آل عمران:81] جواب القسم، وما يحتمل أن تكون شرطية ولَتُؤْمِنُنَّ [آل عمران:81] سدّ مسدّ جواب القسم، والشرط، وأن تكون موصولةً بمعنى: الذي آتيناكموه لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ والضمير في به، ولتنصرنه عائدٌ على الرسول." 

فقوله: واللام في قوله: لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] هذه قراءة نافع، ولذلك لا حاجة لئن يُقال: في نسخة، فالكتاب على قراءة نافع لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] لام التوطئة، أو التحقيق لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] قال: لأنّ أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف، العهد المؤكد هو الميثاق، لكن بالخاء الاستخلاف ما، وجهه؟ لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81].

قال في نسخة: وفي نسخة لما آتيتكم؛ لأنّ أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف، ليس كذلك، الاستحلاف بالحاء، وفي نسخة أخرى الاستحقاق، أخذ الميثاق بمعنى الاستحقاق، والاستحلاف أقرب - والله أعلم -.

وفي لِمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] قرأه حمزة بكسر اللام لِما آتيتكم، فتكون اللام للتعليل.

يقول: واللام في لَتُؤْمِنُنَّ [آل عمران:81] جواب القسم، يعني اللام لام التوطئة يعني موطئة للقسم، في قسم مُضمر، لأنّ أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف يعني أن لفظ الميثاق هنا بمعنى الاستحلاف بمعنى اليمين حلف، فقد يُعبر عن اليمين بمثل هذا، أخذ الميثاق قد يُعبر عنه بعباراتٍ أخرى، وإن لم يكن فيها التصريح باليمين فتكون مؤديةً عنه دالةً عليه، يكون بمنزلة اليمين، فاللام تدل على ذلك، أنه يوجد قسم هنا في هذا الموضع طيب وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] يعني كأنه استحلفهم، وتكون اللام موطئة للقسم النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ [آل عمران:81] أين الجواب؟

لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] فهذا جواب القسم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] وتكون هذه اللام داخلة على جواب القسم.

يقول: وما يحتمل أن تكون شرطية يعني في محل نصب مفعول به للفعل الذي بعدها لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران:81] ويكون على هذا: جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه في قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] والقاعدة أنه إذا اجتمع شرطٌ، وقسم فالجواب للأسبق منهما، يعني يُكتفى بجوابٍ واحد، فإذا قُلنا: إن هذا الجواب للقسم يكون قد سد مسد جواب الشرط لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] فهذا وجه في الإعراب.

يقول: وما يحتمل أن تكون شرطية، فيكون اجتمع شرط، وقسم لَتُؤْمِنُنَّ [آل عمران:81] سدّ مسدّ جواب القسم، والشرط، هو جوابٌ واحد يكون التقدير على أنه يوجد شرط، أنها شرطية لمهما آتيتكم، يعني مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] كما تقول: مهما كان من الأمر عليك أن تفعل كذا، فيكون في شرط لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ هذا جواب، لكن وُجد قسم، وشرط، وعلى القاعدة أن الجواب الأسبق ليكون هذا جواب القسم سد مسد جواب الشرط، يعني لا نحتاج إلى جوابين ليس شرطاً لابد له من جواب يسمونه: جزاء الشرط، أو جواب الشرط، والقسم كذلك، فيكفي أحدهما لمهما آتيتكم هذا اختيار الحافظ بن كثير - رحمه الله - في التقدير لمهما إنها شرطية[6] لَمَا آتَيْتُكُمْ بمنزلة مهما لمهما آتيتكم، يعني المعنى يكون: أي كتابٍ آتيتكم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ - والله أعلم -.

يقول: وما يحتمل أن تكون شرطية لَتُؤْمِنُنَّ [آل عمران:81] سدّ مسدّ جواب القسم، والشرط، وأن تكون موصولةً، يعني ما فما آتيتكم، بمعنى الذي آتيناكموه مهما آتيتكم لمهما، يعني لما آتيتكم للذي آتيناكموه، فهي في محل رفع مبتدأ، واللام - لما - لام الابتداء، فهذا باعتبار وجود لما آتيتكم، للذي آتيتكم، فأخذ الميثاق قُلنا: أنه اعتُبر بمنزلة الحلف، أو القسم، فيكون فيها قسم، فجملة آتيتكم لما آتيتكم صلة، والعائد محذوف آتيتكموه لما آتيتكموه، سيبويه سأل الخليل عن هذه الآية: لما آتيتكم، فقال: بأن "ما" بمعنى "الذي" يعني كيف يكون المعنى؟ يعني: لما آتيتكم للذي آتيتكم، للذي آتيتكموه مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ كل هذا يدل على القسم للذي آتيتكموه مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ فتكون هذه اللام داخلة على جواب القسم فهنا يقول: "وأن تكون موصولةً بمعنى الذي آتيناكموه" - والله أعلم -.

"قال: والضمير في به، ولتنصرنه عائدٌ على الرسول."

لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ يقول: "والضمير في به، ولتنصرنه عائدٌ على الرسول" هذا لا إشكال فيه، واضح لكن في قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ هذا يكون جوابًا لقوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ إذا قُلنا: بأن هذا من قبيل الشرط، فيكون جواب الشرط محذوف؛ لأنه أغنى عنه جواب القسم، كما سبق إذا اجتمع شرطٌ، وقسم أغنى عنه جواب القسم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ الضمير هنا يعود على اسم الشرط عند بعضهم على الوجه الأول، فيما أنها شرطية لمهما آتيتكم، وعلى أنها موصولة فقوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ جواب القسم المقدر، وهذا القسم المقدر، وجوابه خبر للمبتدأ ما في لما آتيتكم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ فتكون الضمير الهاء يعود على المبتدأ، ولا تعود على رسول على هذا الاعتبار، تنصرنه هنا الضمير في به، ولتنصرنه عائد على الرسول هذا على وجه كما سبق.

"قوله: أَأَقْرَرْتُمْ [آل عمران:81] أي اعترفتم إِصْرِي عهدي."

نعم هذا قاله الكثير من السلف، الإصر بمعنى العهد، جاء عن ابن عباس، ومجاهد قتادة، والربيع، والسُدي[7] يقول محمد بن إسحاق: "أي ثَقُل عليكم ما حُملتم من عهدي"[8] أي ميثاقي الشديد المؤكد، الإصر يقال لـلعهد المؤكد، الميثاق الشديد، الإصر أيضًا يُقال: للتكليف الثقيل وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف:157] أخذتم على ذلك إصري يعني: عهدي المؤكد.

"قوله: فَاشْهَدُوا [آل عمران:81] أي: على أنفسكم، وعلى أممكم بالتزام هذا العهد وَأَنَا مَعَكُمْ [آل عمران:81] تأكيدٌ للعهد بشهادة رب العزة .

قوله: بَعْدَ ذلِكَ أي من تولى عن الإيمان بهذا النبي ﷺ بعد هذا الميثاق فهو فاسقٌ متردٍ في كفره."

فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] متردٍ من التردي، وليس متردد فاسق متردٍ في كفره، على كل حال ليس من كلام النبوة، هذا تفسير نأخذ اللفظ الأقرب إلى السياق، متردٍ في كفره، ولو قيل: متمرد في كفره لا إشكال.

الحاصل في قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ [آل عمران:81] على هذه القراءة بفتح اللام لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] فيمكن أن تكون ما هذه شرطية، هذا اختيار ابن كثير - رحمه الله - ودخلت عليها لام التحقيق، أو التوطئة موطئه للقسم، ويكون المعنى: هكذا لمهما آتيتكم من كتاب، يعني أي كتابٍ آتيتكم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] بهذا الاعتبار آتيتكم، وهذا الفعل من جهة المعنى مستقبل؛ لأنه في حيز الشرط، وكما سبق أن جواب الشرط محذوف، وعلى القول: بأن ما موصولة بمعنى الذي، فهي في محل رفع مبتدأ، واللام لام الابتداء وقعت جوابًا للقسم المدلول عليه من جهة ذكر الميثاق كما سبق، وتكون جملة آتيتكم صلة ما: للذي آتيتكم، والعائد محذوف، ضمير آتيتكموه، ويكون على هذا الاعتبار يعني أن ما موصولة لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] جواب قسم مقدر، وعلى القراءة الأخرى لِما آتيتكم قراءة حمزة تكون اللام للتعليل لِما آتيتكم من كتاب، وحكمة، يعني أنها حرف جر، وتكون ما مصدرية، والتقدير: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب، والحكمة، ثم لمجيء رسولٍ مُصدق لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] أو يكون لأجل إيتائي إياكم كذا، وكذا، أخذت عليكم الميثاق، كلام المعربين في هذا كثير، لكن يكفي هذا - والله أعلم -. 

  1.  - انظر: الرد على المنطقيين (ص:453).
  2.  - تفسير ابن عطية (1/463).
  3.  - تفسير ابن كثير (2/67).
  4.  - المصدر السابق (2/68).
  5.  - المصدر السابق (2/67).
  6.  - تفسير ابن كثير ت سلامة (2/67).
  7.  - تفسير ابن كثير (2/67).
  8.  - المصدر السابق.