"وَمَنْ يَبْتَغِ [آل عمران:85] الآية: إبطالٌ لجميع الأديان غير الإسلام، وقيل: نسخت: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ [البقرة:62]."
يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ [آل عمران:85] الآية: إبطالٌ لجميع الأديان غير الإسلام، أو يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] بعضهم يقول: بأن الإسلام هنا الاستسلام لله تعالى، وتفويض الأمر إليه، يعني الإسلام العام، وذلك مُراد من جميع الناس على اختلاف الأزمان، هذا الذي اختاره كثير من المحققين، قال به ابن عطية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] يعني الإسلام العام الذي هو دين جميع الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - فذلك لا يختص بما بُعث به النبي ﷺ الدين، والشريعة التي هي شريعة الإسلام، وبعضهم حمله على هذا المعنى الأخير، يعني وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] يعني غير شريعة محمد - عليه الصلاة، والسلام - وهذا الذي اختاره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] الإسلام الخاص الذي بُعث به النبي ﷺ والراغب الأصفهاني أدخله في الأول وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ إذا كان ذلك بعد بعث النبي ﷺ فإن إسلام الوجه لله لا يتحقق، ويتأتى، إلا بمتابعة النبي ﷺ وشريعته؛ لأن ذلك هو المأمور به، لكن قبله المقصود أن الدين الذي بعث الله به جميع المرسلين هو الإسلام، وليس المقصود بالإسلام شريعة النبي ﷺ وإنما إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] فهذا الإسلام العام بهذا الاعتبار يمكن أن نجمع بين القولين، فالحافظ ابن كثير فسره بالأول أنه: عبادة الله وحده لا شريك له وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ [آل عمران:85] يقول: إبطال لجميع الأديان غير الإسلام، وقيل بأنها نسخت إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ [البقرة:62] الواقع أنها ليست بناسخة لها؛ لأن المذكورين هنا في هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62] أن هذا في زمانهم قبل مبعث النبي ﷺ فمن كان منهم موحدًا لله مستقيمًا على طاعته، فهو موعودٌ بالجنة بهذا الاعتبار.
ويكون المراد بالصابئين هنا كما سبق في الكلام على سورة البقرة، بأنهم من كانوا على فطرة، وتوحيد، وإيمان، وما كانوا أتباع نبي؛ لأنه لم يُبعث إليهم نبي، أو ما أدركوا نبيًا، فكانوا على الفطرة، وبعضهم يقول: هم طائفة من النصارى، وبعضهم يقول غير ذلك، والواقع أن الصابئين كما سبق إطلاق يُطلق على طوائف، وليس على طائفة واحدة، فقد يُطلق على بعض طوائف المشركين، وقد يُطلق على بعض الموحدين، فلاشك أن المراد هنا من كانوا على التوحيد، فالآية وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] ليست ناسخة لتلك؛ لأن تلك الآية هي في من كانوا على التوحيد، والإيمان قبل مبعث النبي ﷺ
وإذا حملنا الآية على الإسلام العام وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] فلا شك أن الإسلام العام يدخل فيما كان عليه أتباع موسى، وأتباع عيسى، وأتباع سائر الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - فلا نسخ، والقاعدة: أن النسخ لا يثبت بالاحتمال.