الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا۟ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓا۟ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۝ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۝ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ۝ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ [(86 - 89) سورة آل عمران].
روى ابن جرير عن ابن عباس - ا - قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتدَّ، ولحق بالشرك، ثم ندم، فأرسل إلى قومه أن سلوا لي رسول الله ﷺ، هل لي من توبة؟ قال: فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ... [سورة آل عمران:86] إلى قوله: فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة آل عمران:89]، فأرسل إليه قومه فأسلم، وهكذا رواه النسائي، والحاكم، وابن حبان، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
فقوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ [سورة آل عمران:86] أي: قامت عليهم الحجج، والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول، ووضح لهم الأمر، ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعدما تلبسوا به من العماية، ولهذا قال تعالى: وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [سورة آل عمران:86].

مرات الإستماع: 0

"كَيْفَ سؤال، والمراد به هنا: استبعاد الهدى

قوله: قَوْمًا كَفَرُوا نزلت في الحرث بن سويد، وغيره أسلموا، ثم ارتدّوا، ولحقوا بالكفار، ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة؟ فنزل الآية إلى قوله: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا فرجعوا إلى الإسلام."

هو صح من حديث ابن عباس - ا - قال: "كان رجلٌ من الأنصار أسلم، ثم ارتد، ولحق بالشرك، ثم تندم، فأرسل إلى قومه"[1] يعني: يسأل: "هل لنا من توبة؟" كما ذكر هنا، فنزلت الآية: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا [آل عمران:86] إلى أن قال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:89] فمن تاب تاب الله عليه، ولو كان قد ارتد عن الإسلام، فهذا سبب النزول ثابت، وصحيح.

"وقيل: نزلت في اليهود، والنصارى شهدوا بصفة النبي ﷺ وآمنوا به، ثم كفروا به لما بُعث."

لكن هذا لا يصح بأنها سبب النزول، إضافةً إلى أن العبارة غير صريحة، قال: نزلت في اليهود، والنصارى، يعني هذا يكون من قبيل التفسير ليس بسبب نزول الآية، فسبب النزول ما ذُكر في حديث ابن عباس - ا - وذلك يصدق على اليهود، والنصارى الذين شهدوا بصفته ﷺ وآمنوا، ثم كفروا به لما بُعث.

"قوله: وشهدوا عطفٌ على إيمانهم؛ لأنّ معناه: بعد أن آمنوا، وقيل: الواو للحال، وقال ابن عطية: عطفٌ على كفروا، والواو لا تُرتب."

يعني الواو لا تفيد الترتيب كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا [آل عمران:86] يعني كفروا، وشهدوا فهذا على قول ابن عطية[2] طيب كيف كفروا؟ بعد إيمانهم، وشهدوا أن الرسول حق؟ يقول: الواو لا تفيد الترتيب، يعني أنهم شهدوا أولًا قبل مبعثه، ثم كفروا بعد أن بُعث، يعني المذكور في الآية على غير الترتيب من حيث الواقع، الواقع أنهم شهدوا أولًا قبل مبعثه، ثم كفروا بعد أن بُعث هذا معنى الكلام ابن عطية، الواو لا تقتضي الترتيب، يعني هذا سؤال يقع الإشكال على هذا التفسير، كيف كفروا، وبعدها قال: وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ [آل عمران:86]؟ هل هذا تناقض؟ قال: لا ليس بتناقض، الواو لا تقتضي الترتيب، هم وقع منهم الأمران من الناحية الواقعية من وقع أولًا؟ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ [آل عمران:86] ثم بعد ذلك كفروا.

يقول: وشهدوا عطفٌ على إيمانهم، يعني كفروا بعد إيمانهم، وشهدوا؛ لأن معناه بعد أن آمنوا، وشهدوا، وقيل: الواو للحال، يعني كفروا بعد إيمانهم حال شهادتهم أن الرسول، أو حال كونهم شاهدين بأن الرسول حق، هذه القاعدة الواو لا تفيد الترتيب في اللغة، تدل على مطلق الجمع، وليس الترتيب.  

  1. تفسير ابن كثير (2/70).
  2. تفسير ابن عطية (1/468).