يعني معروفاً، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا يمكن أن يكون النصب هنا على أنه صفة لمصدر محذوف، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا أي: صحاباً معروفاً، صاحبهما صحاباً، هذا مصدر، فيكون هنا صفة له، هذا الصحاب صفته أنه معروف، أو بنزع الخافض، صاحبهما في الدنيا بمعروف، فحذف الخافض - حرف الجر -، قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا أي: محسناً إليهما، هذا في حال إن جاهداك مجاهدة، يعني ليس فقط أمْر، أمراك بالإشراك، جَاهَدَاكَ، فكيف إذا كان الوالد مسلماً ولكن عنده معاصٍ مثلاً؟، فكيف إذا كان الوالد صالحاً، فيصدر من الولد ألوان من التأبي والعقوق والتبرم بهذا الوالد، أو بما يدعوه إليه ويأمره به، يتأفف فهذا أعظم وأشد، وتسمع من هذا غرائب وعجائب، يأتيك الولد أحياناً ظاهره الصلاح، وأحياناً يأتون في هذا المسجد مع آبائهم يختصمون، الولد مع الوالد، وبعض الناس لا يوفق، ولا يَخفى أن الإنسان يمر بمراحل في العمر، ويدرك بعد مدة إذا نبت له عقل أن تلك التصرفات كانت في غير محلها، لكنه لم يوفق أو لم يجد الناصح، يتصرف تصرفات يظن أنها من الغيرة على الدين، أو أنها من القيام لله ، أو أن ذلك من قبيل ألا تأخذه في الله لومة لائم، أو نحو هذا فيتصرف بلون من الصلف، وهو عقوق محض مع والده أو والدته، ويأتون يختصمون من منا على حق، انظر هذا الولد المتدين ماذا يقول؟ كيف يتصرف معي؟ كيف يتعامل معي؟ تجد الولد يرفع رأسه، ويبدأ يتكلم عن هذا الأب، كأنه يتكلم عن خصم ألد، بكل جرأة وصفاقة، وعند نفسه أنه قائم لله ، لا يلوي على شيء ولا تأخذه فيه لومة لائم، - نسأل الله العافية -، وهذا جهل، - نسأل الله العافية -، فتجد هذا يحصل من بعض من ظاهره الصلاح والخير للأسف، فمهما استطعت أن تكون قرة عين لمن بقي من أبويك فافعل، مهما استطعت أن تكون قرة عين فافعل قبل أن تندم ويفوت الأوان، فهذا الباب: الجنة، وهذا من أعظم التدين ومن أجلّ ما أمر الله به، وهو الحق الثاني، وهما سبب وجودك في هذه الحياة الدنيا، الله يأمر بهذا، ولكنّ الكثيرين لا يفهمون معنى الصلاح والتدين والاستقامة، فيأخذ بأمور ويترك ما هو أعظم من ذلك، والله المستعان.
يعني تسمع أسئلة أحياناً تعتبر فيها من الجهتين، أنا أعتبر من الجهتين، أشياء غريبة وعجيبة تدل على حرص شديد، لكني في الوقت نفسه أفكر أقول: هل هؤلاء قاموا بتحقيق العبودية بهذه الطريقة، في الأمور الكبار والصغار؟، يعني: تجد من الأسئلة التي ترد إزالة شعر الإبط بالليزر، جائز، ولكن هل يترك ذلك – يعني لا يفعل – لأجل أن لا يفوت سنة من سنن رسول الله ﷺ وسنن الفطرة وهي النتف، إذا أزال بالليزر وما نبت بعد ذلك معنى ذلك أنه فوت على نفسه عمل سنة، فأنا أجلس أعتبر من الجهتين، أفكر فيها من الناحيتين، أقول: سبحان الله هذه الدقة في تحقيق العبودية واستحضار هذه المعاني هذا شيء جيد، ثم إذا نظرت إلى الجانب الآخر، هل هذا حقق العبودية فعلاً في الأبواب الكبار حتى ما بقي عليه إلا هذه فنجد مثل هذا السؤال؟، لكن الغيبة في المجالس، هذه من يتورع منها ومن يسلم منها، قضية من الكبائر، ولكن انظر إلى هذا السؤال الدقيق، وأسئلة دقيقة مثل هذه تجعل الإنسان يقف مدة طويلة ويتأمل ويفكر، وتكفيه عن ألف موعظة، هذا السؤال كيف خطر على بال هذا الإنسان، كيف يوجد ناس بهذه المثابة من الدقة والورع والحس المرهف بهذه الأشياء التي لا يتفطن لها أكثر الخلق؟!، لكن هل فعلاً التعامل مع الأبوين بهذا الحس المرهف، وهذه الدقة؟، وهكذا في أمور أخرى كثيرة، - والله المستعان -، لكن مهما استطعت أن تكون قرة عين فافعل، وإن لم يكن ثمة إلا ابتسامة واحدة فاجعلها للأم، فإن وجدت ثانية فللأب، فالله المستعان.
أخذ منها ابن القيم - رحمه الله - وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ قال: أولى ما يدخل في هذا الوصف الصحابة ، وأولاهم بذلك أبو بكر وعمر - ا -، فاتباع سبيل الصحابة هو اتباع لسبيل من أناب إليه، ثم يأتي بعد ذلك الأخيار والصلحاء وأئمة الهدى على مر العصور، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، اقتدِ بالأخيار الصلحاء، لا تقتدِ بالأشرار، لا يكن قدوتك أهل التضييع والتفريط، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [سورة الكهف:28].
أصل الحديث في صحيح مسلم، وأنها نزلت في سعد بن أبي وقاص في خبره مع أمه، وإن كان بغير هذا السياق.
- لم أجده بهذا اللفظ، ولكن رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل سعد بن أبي وقاص ، برقم (1748)، بلفظ غير هذا.