أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [سورة الأحزاب:39-40].
يمدح - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ أي: إلى خلقه ويؤدونها بأمانتها.
يعني الآن هذا المدح الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ، هذا يحتمل أن يكون متعلقاً بقوله: الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، يتعلق به الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ، ويحتمل أن يكون في محل نصب على المدح، الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ، يعني: الله - تبارك وتعالى - كأنه يقول: أعني الذين يبلغون رسالات الله، فيكون مفعولاً به، في محل نصب مفعول به، سيق للمدح، لمدحهم والثناء عليهم، ويحتمل أن يكون في محل رفع، هم الذين يبلغون رسالات الله.
الخشية أخص من الخوف، والخشية: هي خوف مع علم من المخوف منه.
يعني قوله: حَسِيبًا يمكن أن يكون من الحسْب الذي هو الكفاية، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ [سورة الأنفال:64] أي: كافيك، ويمكن أن يكون قوله: حَسِيبًا أي: محاسباً على الأعمال، وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا، وأيهما أقرب إلى السياق وأليق به؟ أن يكون ذلك بمعنى الكفاية، الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ؛ وذلك لكمال توكلهم وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا أي: كافياً يكفي من اتقاه وخافه ولم يخشَ أحداً سواه.
يعني الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ إذا قلنا: إنه يتعلق بما سبق من قوله: فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ يعني: الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، فمَدَحهم بأنهم يبلغون رسالات الله، فهذا المدح هنا وإن كان للرسل - عليهم الصلاة والسلام - فكذلك ينبغي أن يكون أتباعهم، فيكون لأتباعهم من المدح بحسب ما يكون لهم من تحقيق هذا الوصف، وقد ذكر الشاطبي - رحمه الله - أن كل ما كان للأنبياء قبل النبي ﷺ من المزايا وما اختصهم الله به وأعطاهم وحباهم فإن للنبي ﷺ من ذلك نصيب، وأن ما أعطى الله نبيه ﷺ فلأمته منه نصيب، ومثل هذه الصفة هي مطلوبة فيمن يبلغون رسالات الله، أن يكونوا من أهل خشيته، يخشونه، ويبلّغون الحق المبين، ولا يخشون أحداً إلا الله.