الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُۥ سَلَٰمٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الظاهر أن المراد -والله أعلم - تَحِيَّتُهُمْ أي: من الله تعالى يوم يلقونه سَلامٌ أي: يوم يسلم عليهم كما قال : سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [سورة يس:58].

وزعم قتادة أن المراد أنهم يُحيّي بعضهم بعضا بالسلام، يوم يلقون الله في الدار الآخرة، كما قال سبحانه: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة يونس:10].

قوله: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الحافظ ابن كثير قال: أي يوم يسلم عليهم، أي أنه أعاد الضمير إلى الله  يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أي: الله، وبعضهم قال: إن الضمير يرجع إلى يوم القيامة، وبعضهم يقول: إن الضمير يرجع إلى ملك الموت، وهذا بعيد، والأقرب أنه يرجع إلى الله - تبارك وتعالى -، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ، التحية هنا مصدر، تحيتهم، والإضافة فيه إلى الضمير الهاء تَحِيَّتُهُمْ، يحتمل أن يكون من قبيل الإضافة إلى الفاعل، إضافة المصدر إلى الفاعل، ويحتمل أن يكون من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول، تَحِيَّتُهُمْ، الآن هذا القول الذي ذكره عن قتادة، أن المراد أنهم يحيي بعضهم بعضاً بالسلام يوم يلقونه في الدار الآخرة، فيكون هذا من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، ومثل هذا لابد منه في فهم المعنى، إضافة المصدر إلى الفاعل، تَحِيَّتُهُمْ التحية الصادرة منهم، يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ، التحية الصادرة منهم، يحيي بعضهم بعضاً، وإن كان الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أشار إلى ضعفه بقوله: وزعم قتادة، مع أن هذا اختيار ابن جرير - رحمه الله -، وهو وجه.

فيكون ذلك صادراً منهم، كان ينبغي أن يشار إلى هذا، يعني ترجيحات ابن جرير - رحمه الله - بتلك المنزلة، فلا يحسن حذفها من هذا المختصر، فـ تَحِيَّتُهُمْ، التحية مصدر، فإذا كان من الإضافة إلى الفاعل، التحية الصادرة منهم، يعني: يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، وعلى الأول الذي اختاره ابن كثير - رحمه الله - يكون من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول، تَحِيَّتُهُمْ يعني: ما يحييهم الله به، تحية الله لهم، ولعل الأقرب - والله تعالى أعلم - أن ذلك يُحمل على المعنيين، بل يحمل على المعاني كلها؛ لأن هناك معنًى ثالثاً، تَحِيَّتُهُمْ أي: ما يُحيَّون به، تحييهم به الملائكة، فيحمل على هذه المعاني جميعاً، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، تحيتهم، أي ما يحييهم الله به، سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فهذا المعنى دل عليه القرآن، وما تحييهم به الملائكة، وهذا دل عليه القرآن، وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ [سورة الرعد:23-24]، وكذلك يحيي بعضهم بعضاً بهذه التحية، فكل هذه المعاني صحيحة، فهذه تحية أهل الإيمان في الجنة، يُحيَّون بها ويحيي بعضهم بعضاً بها، وإذا كانت الآية تحتمل وجوهاً من التفسير، وكل وجه دل عليه دليل من القرآن أو من السنة، ولا يوجد ما يمنع من حملها على هذه المعاني، فلا إشكال في أن تحمل عليها، والله أعلم.

قال: وقوله تعالى: وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا يعني: الجنة وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمناكح والملاذّ والمناظر مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

الإعداد يدل على عناية بالمُعَد وأما الأجر الكريم فهو الذي يكون طيباً في ذاته، في نفسه، فيخرج من ذلك كل ما لم يكن كذلك من الأمور التي تستقذر أو تستخبث أو نحو ذلك، فتقول: هذا رجل كريم في أصله، كريم في نسبه، هذا كما سبق في قوله - تبارك وتعالى -: مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [سورة الشعراء:7]، فالكريم يقال للشيء الطيب بخلاف ما كان مستخبثاً أو مستقذراً أو نحو هذا، وكذلك الأجر الكريم هو الذي لا يكون معه تنغيص ولا تكدير، ولا يحصل معه لون من التأذي.