الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ۝ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ۝ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا [سورة الأحزاب:45-48].

روى الإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص - ا - فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ ولا سَخّاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضَه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عمياً، وآذانا صماً، وقلوباً غلفاً"[1]. وقد رواه البخاري في البيوع والتفسير.

هو سأل عبد الله بن عمرو باعتبار أن ابن عمرو حصّل زاملتين - كما هو معلوم - في يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب، فكان يقرأ منها.

وقال وهب بن منبه: إن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل - يقال له: شعياء - أن قم في قومك بني إسرائيل، فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أمياً من الأميين، أبعثه ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشراً ونذيراً، لا يقول الخنا، أفتح به أعينا كُمْهًا.

كُمْهاً يعني: أعيناً عمياً، كما في الذي قبله.

وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، أسَدّده لكل أمر جميل، وأهب له كل خلق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلال، وأُعلِم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخَمَالة، وأعرّف به بعد النُّكْرَة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العَيْلَة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة، وأهواء متشتتة، وأستنقذ به فِئاماً من الناس عظيمة من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، موحدين مؤمنين مخلصين، مصدقين لما جاءت به رسلي، ألهمهم التسبيح والتحميد، والثناء والتكبير والتوحيد، في مساجدهم ومجالسهم، ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم، يصلون لي قياماً وقعوداً، ويقاتلون في سبيل الله صفوفاً وزُحوفاً، ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً، يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب في الأنصاف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم في صدورهم، رهبان بالليل ليُوث بالنهار، وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين، أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون، وأُعِز مَنْ نصرهم، وأؤيد مَنْ دعا لهم، وأجعل دائرة السوء على مَنْ خالفهم أو بغى عليهم، أو أراد أن ينتزع شيئاً مما في أيديهم، أجعلهم ورثة لنبيهم والداعية إلى ربهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويوفون بعهدهم، أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم.

النبي ﷺ قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج[2]، وهذا من هذا، وبعض المفسرين يذكر أشياء مما ورد في كتبهم من صفة النبي ﷺ والبشارة به عند قوله - تبارك وتعالى -: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [سورة الصف:6]، يوجد في تفسير الرازي مثلاً، وكذلك في فتح البيان لصديق حسن خان، وهو في الواقع إعادة نسْخ وبعض الإضافات لكتاب فتح القدير للشوكاني إلا أنه زاد بعض الزيادات، وهذا من الزيادات، نقل من بعض الكتب أشياء من هذا القبيل، وتجد في المقابل من يشنع وينكر هذه الأشياء وأنه لم يجدها في كتبهم، تجد هذا لدى بعض المتأخرين مثل الشيخ محمد رشيد رضا، وفي غير كتب التفسير يوجد من هذا أشياء في مثل كتاب "إظهار الحق" وهو كتاب جيد في مناظرة النصارى والرد عليهم، للعالم الهندي الكيرانوي، مطبوع في مجلدين، فيه أشياء من هذا القبيل.

قال: فقوله تعالى: شَاهِدًا أي: لله بالوحدانية، وأنه لا إله غيره، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة.

جمع بين معنيين، أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، شاهداً بماذا؟ بالتوحيد لله ، والمعنى الثاني: أنه شاهد على الناس، فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [سورة النساء:41]، هو شاهد عليهم، فجمع بين المعنيين، وكل ذلك يصدق على النبي ﷺ، وهذا كثير في هذا التفسير، يذكره ابن كثير - رحمه الله - كثيراً بهذه الطريقة التي قد لا يقف عندها القارئ، ولكن إذا نظر في أقوال المفسرين عرف قدر عبارته.

قال: وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا، كقوله: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.

وقوله : وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا أي: بشيراً للمؤمنين بجزيل الثواب، ونذيراً للكافرين من وبيل العقاب

  1. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الفتح، برقم (4558)،  وأحمد في المسند، برقم (6622)، وقال محققوه: "حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير موسى بن داود، فمن رجال مسلم، إلا أن فليح بن سليمان -وإن كان ينحط عن رتبة الصحيح- متابع".
  2. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3274).