وقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا قال أبي بن كعب : هذه أرجى آية في كتاب الله، يعني أنها أكثر الآيات في القرآن ترجية لأهل الإيمان، يعني يرجيهم بما عند الله من الجزاء والثواب، وما أعد لهم، والمشهور أن أرجى آية في كتاب الله قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [سورة الزمر:53] لكن من أهل العلم من يلحظ في بعض الآيات أمراً فيحكم بأن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله، وقد مر من هذا أشياء، ومن أعجبه ما مضى في سورة البقرة في آية الديْن فإن بعض السلف قال: إنها أرجى آية في كتاب الله، قالوا: باعتبار لما احتاط الله لمال المسلم هذه الاحتياطات الكثيرة جداً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا... [سورة البقرة:282] إلى آخر الآية، أطول آية في قضية مال المسلم ولو كان قليلاً، فإذا كان الله احتاط لمال المؤمن هذا الاحتياط من الضياع؛ فإن الله - تبارك وتعالى - لا يضيع عبده المؤمن، وبعض الناس في المعاملات المالية ونحو ذلك في رمضان أحياناً تسمع من يقول: لو أن الإمام يتجاوز سورة البقرة وآل عمران والمائدة وهذه السور ويقرأ في سور مثل الأنبياء، وطه وما بعد ذلك، هذا أمر لا ينقضي منه العجب، هذه السور اقرءوا الزهراويْن[1]، وما قاله النبي ﷺ عن سورة البقرة وما إلى ذلك، فهذه إذا كان قيل هذا في آية الدين فماذا يمكن أن يقال في الآيات التي ظاهرها ترجية أهل الإيمان كقوله - تبارك وتعالى -: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [سورة فاطر:32]، قالوا: بدأ بالظالم لنفسه من أجل أن لا يقنط، والجميع قال لهم: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَ [سورة فاطر:33]، فأضاف ذلك إليهم جميعاً بطبقاتهم، ومراتبهم، ودرجاتهم الثلاث، ولهذا قالوا عن هذه الواو في قوله: يَدْخُلُونَهَا التي جمعت هذه الطوائف الثلاث: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين.
وأبي بن كعب يقول: إن قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا أرجى آية في كتاب الله - تبارك وتعالى -، والفضل الكبير جاء مبيَّناً في قوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ [سورة الشورى:22] فهذا هو الفضل الكبير.
- رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم (804).