الإثنين 04 / محرّم / 1447 - 30 / يونيو 2025
وَمَا عَلَّمْنَٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنۢبَغِى لَهُۥٓ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ: يقول تعالى مخبرًا عن نبيه محمد ﷺ: أنه ما علمه الشعر، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أي: وما هو في طبعه، فلا يحسنه، ولا يحبه، ولا تقتضيه جِبِلَّته؛ ولهذا وَرَدَ أنه - عليه الصلاة والسلام - كان لا يحفظ بيتًا على وزنٍ منتظم، بل إنْ أنشده زَحفه، أو لم يتمه".

يعني بمعنى أنه ﷺ يقوله بطريقة يحصل بها انكسار بحركةٍ، بتنوين، فينكسر البيت، أو يقدم، ويؤخر في لفظه، وقد جاء في هذا روايات، وبصرف النظر فالنبي ﷺ لا يحسن الشعر كما قال الله - تبارك وتعالى -، وذلك رداً على دعوى الكافرين بأن القرآن شعر، وأن النبي ﷺ شاعر، والعلماء - رحمهم الله - في مثل هذا المقام بعض المفسرين وغير المفسرين ممن تكلموا عن شمائله ﷺ يذكرون أشياء من هذا القبيل، وأنه ﷺ لم يكن يحسن الشعر إطلاقاً، وكذلك ما ذكر وفيه شيء من الوزن مثل:

أنا النبي لا كذبْ أنا ابن عبد المطلبْ

و

هل أنتِ إلا أصبع دَميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ

أو نحو هذا فيقول: هذا وقع اتفاقاً وليس على أوزان الشعر، يقصد به الشعر الموزون.

"وروى البيهقي في الدلائل أن رسول الله ﷺ قال للعباس بن مرداس السلمي: أنت القائل:

أتجعلُ نَهبي ونَهْب العُبَيد بين الأقرع وعيينة

فقال: إنما هو: بين عيينة والأقرع، فقال: الكل سواء[1] يعني: في المعنى، - صلوات الله وسلامه عليه -".

البيت الذي قاله العباس بن مرداس السلمي في غزوة هوازن أعطى النبي ﷺ الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة بن حصن مائة من الإبل، ونقص من عطاء العباس بن مرداس السلمي فغار فقال:

أتجعلُ نهبي ونهب العُبيد بين عيينة والأقرع
وما كنتُ دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يُرفع

إلى آخر القصيدة التي قالها، فقال النبي ﷺ: اقطعوا عني لسانه[2]، فوفوا له مائة فكان هو سيد قومه، لربما لا يقصد زيادة من الإبل أن ذلك يكون هو غاية طلبته، وإنما المقصود بذلك أنه لا يخفى العطاء عن عيينة، والأقرع بن حابس؛ بحيث إن الناس لا يرونه بعد ذلك، أو أن قومه أو أن العرب ترى أنه دونهم، فقال ما قال، يقول: أنا كنت مشغولاً، وما كنت دون امرئ منهما، كنت مشغولاً بمطاردة الأعداء،؛ يعني لم يحضر هذه القسمة جاء بعد ذلك؛ لأنه مشغول بمصاولة العدو ومطاردته، وهزيمة الفلول، فالشاهد أن النبي ﷺ في هذه الرواية قال:

أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين الأقرع وعيينة

انكسر البيت، صار البيت مكسوراً، الأصل بين عيينة والأقرع.
 

"وذلك لأن الله - تعالى - علمه القرآن العظيم الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصلت:42]، وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش، ولا كهانة، ولا مفتعل، ولا سحر يُؤثر كما تنوعت فيه أقوال الضُّلال، وآراء الجُهال، وقد كانت سجيته ﷺ تأبى صناعة الشعر طبعًا، وشرعًا.

إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أي: ما هذا الذي علّمناه إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أي: بيِّن واضح، جلي لمن تأمله، وتدبره".

ظاهر كلام ابن كثير هنا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ يعني ما هذا الذي علمناه إلا ذكر وهو القرآن، ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ وابن جرير - رحمه الله - يقول: إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ أي محمد ﷺ، إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ يعني أنه مُذكِّر، قد أنزل الله عليه القرآن فيكون "ذكر" من صفة محمد ﷺ، الذكر قد جاء عن طريقه، أنزله الله - تبارك وتعالى - عليه، فإذا قيل: إن النبي ﷺ ذِكْر أي أنه مذكر بما أوحي إليه بما أوحاه الله إليه قد أوحى الله - تبارك وتعالى - له، أوحى إليه القرآن إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ كما قال الله في الآية الأخرى: قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ۝ رَّسُولًا [سورة الطلاق:10-11]، وبعضهم يقول: أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا هو القرآن، رَّسُولًا أي أرسل رسولاً، يكون منصوباً بفعل مقدر محذوف، أرسل رسولاً، وبعضهم يقول: إن الذكر هو الرسول هناك قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ۝ رَّسُولًا فهو بدل من الذكر، وهذا هو اختيار ابن جرير في هذه الآية هنا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ فالنبي ﷺ ذِكْرٌ في هذا الموضع أيضاً عند ابن جرير.

  1. رواه مسلم، في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه، برقم (1060)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/179).
  2. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (4/273).