الإثنين 04 / محرّم / 1447 - 30 / يونيو 2025
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ولهذا قال: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا أي: لينذر هذا القرآن البيّن كلّ حي على وجه الأرض، كقوله: لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [سورة الأنعام:19]، وقال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [سورة هود:17] وإنما يَنتفع بنذارته من هو حَيّ القلب، مستنير البصيرة كما قال قتادة: "حي القلب، حي البصر"، وقال الضحاك: "يعني عاقلاً"، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ أي: هو رحمة للمؤمن، وحجة على الكافر".

هنا في قوله - تبارك وتعالى -: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا قال: لينذر هذا القرآن كل حي على وجه الأرض كقوله: لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ، لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ هل المقصود إنذار الأحياء ليحق القول على الكفار؟، أو أن المقصود لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا أي حي القلب كما قال الله - تبارك وتعالى -: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [سورة ق:37] لذكرى لمن كان له قلب يعني قلباً حياً وقاداً، وهكذا قول من قال من السلف: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أي عقل، فهذا كما قال هنا عن الضحاك - رحمه الله -: "يعني عاقلاً"، كان عاقلاً مَن كَانَ حَيًّا أي عاقلاً يقصد بذلك من كان له قلب حي وقاد، فإنّ موضع القلب موضع العقل، هو القلب، فمن كان له قلب حي فهو الذي يعقل عن الله - تبارك وتعالى -، وينتفع بالقرآن كما قال الله : ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] فخصهم بذلك؛ لأنهم المنتفعون به، وهنا قال: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا أي: حي القلب فهو الذي ينتفع مع أنه منذر للجميع لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ لكن خص هؤلاء أصحاب القلوب الحية لأنهم المنتفعون أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [سورة الأنعام:122]، هذه حياة القلب، الإيمان والهداية، وهكذا فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [سورة الروم:52] بعض أهل العلم قال: هذا من قبيل ضرب المثل لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى يعني موتى القلوب، الكفار الذين ختم الله على قلوبهم، لقد مضى الكلام على هذه الآيات وغيرها جميعاً في رمضان في الكلام على الأمثال، الآيات التي ذكر فيها حال الكافر أنه ميت، أو وصف الكافر بأنه ميت، وأن المؤمن حي، وهكذا مضى الكلام على السميع، والبصير، وأن المقصود بذلك الذي يسمع سماع الانتفاع، ويبصر الحق هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [سورة الرعد:16]، وكذا الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أن هذا كله من قبيل المثل.