الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [سورة الصافات:102] أي: كبر، وترعرع، وصار يذهب مع أبيه، ويمشي معه، وقد كان إبراهيم يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد "فاران"، وينظر في أمرهما، وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعاً إلى هناك، فالله أعلم.

وعن ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرمة، وسعيد بن جُبَيْر، وعطاء الخرساني، وزيد بن أسلم، وغيرهم: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يعني: شب، وارتجل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي، والعمل فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وَحْي، ثم تلا هذه الآية: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى.

وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره، وجلده، وعزمه من صغره على طاعة الله - تعالى -، وطاعة أبيه".

فقوله - تبارك وتعالى -: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ هنا الحافظ يقول: أي كبر، وترعرع، وصار يذهب معه، يعني مع أبيه، والسعي يقال: للمشي، ويقال: للإسراع في المشي وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [سورة القصص:20]، ويقال أيضاً: للعمل، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ [سورة الملك:15] التقلب فيها، والعمل، وطلب الرزق، والتجارة وما أشبه ذلك، والله - تبارك وتعالى - يقول: إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة:9]، والمقصود بالسعي في هذه الآية على أرجح أقوال المفسرين يعني العمل على حضورها، وترك الاشتغال عنها، والمبادرة إليها، وليس الإسراع في المشي؛ لأنه منهي عنه، وهنا في هذه الآية: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يقول: وصار يذهب مع أبيه، ويمشي معه، هذا احتمال بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يعني صار يذهب، ويمشي، ويحتمل معنى آخر نقله هنا عن جماعة من السلف قال: بمعنى شب، وارتجل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي، والعمل، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -: بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يعني صار في سنٍ يطيق فيها العمل وهو الوقت الذي يتشوف الوالد فيه إلى الولد، وعائدته، وما يرجِّيه منه، ثم بعد ذلك يؤمر بذبحه؛ فذلك أشد من ذلك الطفل الصغير الذي يحتاج إلى رعاية، ويكون كَلًّا على أبيه، هذا بلغ السن الذي يرجّيه، يرجّي نفعه، وعائدته، ثم بعد ذلك إذا أمر بذبحه؛ فهذا أشد، فهذان معنيان قريبان، وبينهما نوع ملازمة، وذلك أنه إذا بلغ السن التي يطيق فيها العمل فإنه يصير في حال يذهب، ويجيء، ويمشي مع أبيه، ويتقلب معه كما لا يخفى؛ فهذان معنيان متلازمان، أما قول من قال: إن المقصود سعي العبادة، بلغ معه السعي، أو أنه سعي العقل أو نحو ذلك؛ فهذا لربما يكون أبعد من سابقيه - والعلم عند الله -، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى، وفي القراءة الأخرى قراءة حمزة والكسائي تُرِي وهذه القراءة بالياء فسرت بأن المراد ماذا تريني؟ ماذا تريني من صبرك، واحتمالك؟، وبعضهم يقول: ماذا تُرِي؟ يعني ماذا تريك نفسُك؟ وليس ماذا تريني؟ ماذا تريك نفسك من الرأي؟ والله أعلم.

وقوله: يتفقد ولده، وأم ولده؛ ببلاد فاران، والمقصود ببلاد فاران يعني الحجاز، وجاء هذا أيضاً في بعض النصوص المنقولة من كتب أهل الكتاب في نبوة محمد ﷺ، وأن الله تجلى من جبال فاران.

وقوله: وإنما أعلم أبنه بذلك ليكون أهون عليه ليختبر صبره في صغره على طاعة الله - تعالى -، وطاعة أبيه، بمعنى أنه لم يكن يعرض ذلك عليه لأخذ رأيه في تنفيذ ما أمره الله به فيكون تنفيذ ذلك متوقفاً على رأيه، ليس هذا هو المقصود، وإنما قصد بذلك أن ينظر في صبره، وتحمله، ليكون عوناً له على تحقيق أمر الله - تبارك وتعالى - يعني لم يكن عنده تردد في تنفيذ أمر الله.

"قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ أي: امضِ لما أمرك الله من ذبحي، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ أي: سأصبر، وأحتسب ذلك عند الله ، وصدَقََ - صلوات الله وسلامه عليه - فيما وعد؛ ولهذا قال الله - تعالى -: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا ۝ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [سورة مريم:54-55].