هذه المرويات عن بعض السلف: أنه فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ يعني على وجهه، على جبينه ليذبحه من قفاه بألا يرى وجهه فيرقّ؛ قاله جماعة من السلف، ولكن يمكن أن يكون المعنى غير هذا - والله أعلم -؛ وذلك أن الجبين هو جانب الجبهة يقال لكل جانب منها: جبين، وليس المقصود بالجبين الجبهة حتى يقال: أكبه على وجهه، فمن كان على جانبٍ كهيئة الذي يذبح فإن جبينه أي أحد جانبي الجبهة يكون إلى الأرض، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ كهيئة الذي يذبح يكون جبينه يعني أحد جانبي الجبهة إلى الأرض، ولا يلزم من ذلك أن تكون الجبهة على الأرض بحيث يذبحه إلى قفاه - والله أعلم -.
وقوله: فَلَمَّا أَسْلَمَا أسلما بمعنى استسلما، وانقادا، هذا معنى أسلما، لكن هنا فَلَمَّا أَسْلَمَا والتقدير يكون أمرناه ناديناه أوحينا إليه، لا، هو قال: وَنَادَيْنَاهُ [سورة الصافات:104] هذا مصرح به ليس بمحذوف فَلَمَّا أَسْلَمَا فإذا قلت: إنه محذوف بعضهم يقدر ذلك بقوله: فَلَمَّا أَسْلَمَا ظهر صبرهما، وَتَلَّهُ والسياق يكون فَلَمَّا أَسْلَمَا ظهر صبرهما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أو يكون التقدير فَلَمَّا أَسْلَمَا أجزلنا لهما أجرهما، أو فَلَمَّا أَسْلَمَا فديناه بكبش، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ لكن هذا الأخير فيه إشكال، لما أسلما فديناه بكبش وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ كأن الكلام يعود إلى الكبش، وبعضهم يقول: إن الجواب مذكور، يقولون: إن الجواب هو وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ طيب والواو؟ الواو زائدة عندهم، وهذا على طريقة الكوفيين فإن مذهبهم أسهل بكثير من مذهب البصريين، أما تلك التقديرات فهي للبصريين، ويعارضون مثل هذا الإعراب عند الكوفيين، يقولون: الواو هنا من حروف المعاني لا يمكن أن تزاد، وبعضهم يقول: إن الجواب هو ناديناه وإن الواو زائدة فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ [سورة الصافات:102-103] - والله تعالى أعلم -، ويحتمل فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ فيما يظهر أن واحدة من هذه المذكورات هي الجواب، لكن كونه مقدراً مع أن الأصل عدم التقدير كأنه أقرب - والله أعلم -، فلما أسلما ظهر صبرهما، ظهر ثباتهما، ظهر يقينهما، وقد يفهم المقدر من بعض ما ذكر، يعني مثلاً ظهر يقينهما، ظهر صبرهما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ والتل جذب الشيء بقوة، أو بشدة، تلّه.
"ومعنى وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه، قال ابن عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة: "وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أكبه على وجهه".
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - ا - أنه قال: "لما أُمر إبراهيم بالمناسك عَرَض له الشيطان عند السعي، فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات، وثَمّ تَلَّه للجبين، وعلى إسماعيل قميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره، فاخلعه حتى تكفنني فيه، فعالجه ليخلعه، فنُوديَ من خلفه: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا، فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين قال ابن عباس: لقد رأيتنا نتبع ذلك الضَّرْب من الكباش[1]".
على هذه الرواية يكون ذلك في مِنى؛ لأن المفسرين، والمؤرخين؛ يختلفون كثيراً أين كان ذلك.
الضِّرب أو الضَّرب؟ ذلك الضَّرب: النوع يعني من الكباش، أننا نشتري هذا للأضحية ما كان بهذه الصفة أبيض، أقرن، أعين.
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (2707)، وقال محققوه: "رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي عاصم الغنوي، فقد روى له أبو داود، وقال أبو حاتم: لا أعرف اسمه ولا أعرفه، ولا حدّث عنه سوى حماد بن سلمة، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول. قلنا: ولمعظم هذا الحديث طرق وشواهد يتقوى بها، سريج: هو ابن النعمان، ويونس: هو ابن محمد المؤدب"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (337).