هنا جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ هنا الحافظ جعله كقوله: أَمْ يَقُولُونَ إلى قوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ... وأن ذلك كان في يوم بدر، وأن الآية تشير إلى هذا، وإلى ذلك ذهب ابن جرير - رحمه الله -، جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ فحُمل على ما وقع لهم في يوم بدر، فيكون ذلك من قبيل الإخبار بالغيوب المستقبلة، والشنقيطي - رحمه الله - له كلام في مثل هذه الآية مع أنه لا ينكر هذا المعنى، بل يثبته، ويزيد عليه، وهذا هو الفرق بين العالم وغير العالم، الشنقيطي - رحمه الله - يقول: وفي الإشارة هنا إلى البعيد جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ إلى البعيد ما يفهم منه أو قد يفهم منه أن المراد بذلك ما سيق في زمان مستقبل بعيد، يعني هذا العصر من دعوى الصعود إلى القمر، فالله - تبارك وتعالى - يقول: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [سورة الرحمن:33]، ثم ذكر ما يكون لهم بعد ذلك يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ [سورة الرحمن:35]، فالشنقيطي - رحمه الله - يقول: إن ذلك لا يمكن يعني الصعود إلى القمر، وإنهم لو حاولوا الوصول إليه لجاءهم الشواظ من النار والنحاس، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الآية لا تدل على هذا، ولا علاقة لها بهذا المعنى، وإنما جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ ما يقع لهؤلاء من الهزيمة النكراء، وقد حصل ذلك في يوم بدر، وفي غيره، وإن كانت هزيمتهم أوضح، وأظهر، وأجلى، وأقوى، وأنكى في يوم بدر، فإنه بعد يوم بدر لم يحصل لهم مثل هذه الهزيمة؛ يعني في أحد انتصروا، وفي الأحزاب ذهبوا بالريح، وفيما بعد ذلك قال النبي ﷺ يعني بعد الأحزاب: اليوم نغزوهم، ولا يغزونا[1]، وما كان من فتح مكة لم يكن ثَمّة قتال بالمعنى المعروف من مواجهة الجيوش لبعضها، فالهزيمة النكراء كانت يوم بدر، وهي النكاية العظمى التي وقعت من قتل سادتهم، وكبرائهم في أمر لم يتوقعوه، ولم يخطر لهم على بال، ولم يدُر في خيال، حتى في أحلام المنام ما رأوه، ما توقعوا هذا، ولا دار في خلدهم، أما قضية الصعود إلى القمر ونحو ذلك فالآية لا علاقة لها بهذا، والإشارة إلى البعيد أي ما سيكون في المستقبل جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ، أما قضية الصعود إلى القمر فهذا الذي يظهر أن القرآن لم يتحدث عنها أصلاً، لكن هل ما وقع من الصعود إلى القمر صحيح أو لا؟ الله أعلم بهذا، لا نعلم، وقد كتب كتاب من الغرب كتابات قوية تشكك في هذا، وذكروا أدلة لإبطال هذه الدعوى من الغرب، من الكفار؛ عيونهم زرقاء، لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله، ورسوله، ولا يدينون دين الحق، قالوا: هذا غير صحيح، وقالوا: أقرب ما يدل على كذب هذا الكلام أن في القمر ظلًّا، والقمر أصلاً ما فيه ظل، ومن صورهم التي ظهرت في الفضاء فيها ظل، والقمر أصلاً ما فيه ظل، فالشمس لا تظهر، وينعكس الظل هناك، إذا انتقلوا من الغلاف الجوي ظلمة، فمن أين جاء هذا الظل، وذكروا أن هذا عملوه في صحراء نيفادا، وأن القضية كلها تمثيل، ولا حقيقة لها، وقالوا: لماذا لم يتكرر هذا مع تطور العلم، وتقدمه، والطموح المستمر على المعرفة، والاستزادة، واكتشاف الفضاء؛ وما إلى ذلك؟، هي مثل بيضة الديك، مرة لأمريكا، ومرة لروسيا، ما في محاولات أخرى، ما في دول أخرى تقدمت، وحاولت أيضاً أن تغرس علمها على القمر، ما أحد استطاع ولو بدفع أجرة، فقط هؤلاء ثم لا تتكرر انتهت! قالوا: مكلفة، طيب والآن إمكانيات أكبر، ويبذلون على البحوث العلمية ووكالة الفضاء المليارات، لماذا لا يكررون هذه الأشياء بأشياء جديدة، وتجارب، واكتشافات؟! الله أعلم وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [سورة الإسراء:36]، فما كل ما يقولونه نحن نصدقه، لكن القرآن ليس فيه ما يدل على هذا، يعني من الامتناع، امتناع إمكانية ذلك، أو من حصوله، فالعلم عند الله .
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (18308)، وقال محققوه: " إسناده صحيح على شرط الشيخين، يحيى: هو ابن سعيد القطان، وعبد الرحمن: هو ابن مهدي، وسفيان: هو الثوري، وأبو إسحاق: هو السَّبِيعي، وقد صرَّح بالسماع"، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (6484)، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (5879).