الأربعاء 25 / صفر / 1447 - 20 / أغسطس 2025
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله - تبارك وتعالى -: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ أي: إن في هذا القرآن لذكراً لمن يتذكر، وعبرة لمن يعتبر، وإنما لم ينتفع به الكافرون لأنهم فِي عِزَّةٍ أي: استكبار عنه، وحمية.

وَشِقَاقٍ أي: مخالفة له، ومعاندة، ومفارقة".

قوله: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ العزة تأتي بمعنى الغلبة، والله عزيز غالب، فتكون العزة من مجموع أوصاف يكون بها الغلبة، والظهور، وصاحب العزة لا يغالب، هذه العزة بهذا المعنى هذا هو الأصل فيها، فالعزيز الذي لا يغالب، والعرب تقول: من عَز بَزّ، من غلب استلب، من عز بز يعني: من غلب وتمكن بز، ومن غلب استلب، هذا معنى العزة، والله - تبارك وتعالى - أخبر أن العزة له، ولرسوله، وللمؤمنين، فهنا قال: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ فقد يقول قائل: كيف هنا أثبت لهم العزة، والله يقول: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [سورة المنافقون:8]، لما قال المنافق: لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ يعني نفسه أنه الأعز، فرد الله عليه وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وتقديم الجار والمجرور هنا يفيد الاختصاص أو الحصر، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فإذاً هي ليست للمنافقين، ولا للكفار، فكيف أثبت هنا العزة للكفار، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ؟، العزة هنا ليست بمعنى الغلبة، العزة هناك غير هنا بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ هذه العزة هنا هي العزة التي بمعنى الحمية، والأنفة المذمومة التي ترفعوا بها عن الحق، ونفروا منه، ومن الاستجابة له استكباراً بغير حق، فهذا المعنى هو معنى العزة هنا ليس بمعنى الغلبة؛ ولذلك تجد عبارات المفسرين كهذه التي بين أيديكم بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ أي: استكبار عنه، وحمية، لم يقل: العزة بمعنى الغلبة؛ لأنها ليست لهم أصلاً، فالعزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، فهذه العزة هنا بهذا المعنى، وهي مذمومة، أما العزة الحقيقية العزة المحمودة هي التي أثبتها الله لأهل الإيمان، ونفاها عن الكفار، بل حكم عليهم، فقال: أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [سورة المجادلة:20] هؤلاء أبعد ما يكونون عن العزة، وقال عن أهل الكتاب: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [سورة البقرة:61] فهؤلاء أبعد ما يكونون عن العزة، لكنهم فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ، تقول: فلان أخذته العزة بالإثم وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [سورة البقرة:206] معنى العزة هنا الأنفة، والحمية، وهذه الأوصاف المرذولة، هذا هو المراد - والله أعلم -.

وأصل الشقاق بمعنى المخالفة، كأن أصله أن يكون هذا في شق، وهذا في شق ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ [سورة الحشر:4] شاقّ الله يعني: كأنه في شق، وهذا في شاق، مثل: حادّ، هذا في حد، وهذا في حد، المعاداة، هذا في عدوة، وهذا في عدوة؛ هذا أصلها، وبعضهم يقول: إن ذلك يرجع إلى معنى المشقة بمعنى أن هؤلاء الذين يشاقون يبذلون الجهد، ويشْقَوْن، ويتعبون، ويبذلون كل مستطاع في إبطال الحق، لكن هذا فيه بُعد، وبعضهم يقول: إن ذلك يرجع إلى معنى الشَّق كأنهم يشقون الصف، يفرقون بكبرهم، وتيههم، وعنادهم، فلا يستجيبون مع من يستجيب، وإنما يخالفون، ويفارقون، والمشهور هو الأول، في شقاق قال: يعني مخالفة.