الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
رُدُّوهَا عَلَىَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلْأَعْنَاقِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال الله - تعالى -: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ.

قال الحسن البصري: "قال: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعقرت"، وكذا قال قتادة.

وقال السدي: "ضرب أعناقها، وعراقيبها؛ بالسيوف".

وهذا كما سبق هو المشهور، وبه قال من أصحاب المعاني الفراء، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وعلى هذا إذا قلت: إنه عقر الخيل، فمعنى ذلك أن المقصود بـ حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هي الشمس، ولم يفعل ذلك عقوبة للخيل يعني هذا من إجابات القائلين بهذا القول على الاعتراض الذي ذكرت آنفاً، ما ذنب هذه الخيل؟ هو لم يفعله عقوبة لها، فهي لا ذنب لها، قالوا: ولكنه جعل ذلك في سبيل الله، بمعنى أنه أطعمها الفقراء، والمساكين، والخيل كما هو معلوم يجوز أكلها - والله تعالى أعلم -.

ولذلك يبنون على هذا القول، ويرتبون عليه في أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، يقولون: لما عقر الخيل لله - تبارك وتعالى - طلباً لمرضاته؛ عوضه الله بالريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب.

"قال: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "جعل يمسح أعراف الخيل، وعراقيبها؛ حباً لها"".

هذا عكس المعنى السابق، وهو مروي عن ابن عباس - ا - بهذا الإسناد، وقال به أيضاً من السلف: الزهري، وقتادة.

"قال: "وهذا القول اختاره ابن جرير قال: لأنه لم يكن ليعذب حيواناً بالعرقبة، ويهلك مالاً من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها".

وهذا الذي رجّح به ابن جرير فيه نظر؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا، ولا سيما إذا كان غضباً لله بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة".

بهذا أجاب آخرون كالزجاج، ولكن لا يلزم أن يقال بالضرورة: إن ذلك كان عقوبة لها، وإنه كان جائزاً في شرعهم، بل في مضامين جواب غيره أن ذلك - كما سبق - فعله تقرباً إلى الله - تبارك وتعالى - نحر هذه الخيل، وعقرها، وبالمناسبة كلمة "النحر" تستعمل في الإبل وغيرها، حتى في الغنم، وإن كان المشهور أن النحر يكون في الإبل، والذبح في الغنم، والبقر، والجواب السابق الذي ذكره أنه في مضامين كلام بعض أهل العلم أنه فعل ذلك تقرباً إلى الله، وليس عقوبة للخيل.

"ولهذا لما خرج عنها لله - تعالى - عوضه الله ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر، ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل.

وروى الإمام أحمد عن أبي قتادة وأبي الدهماء - وكانا يكثران السفر نحو البيت - قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله ﷺ فجعل يعلمني مما علمه الله ، وقال: إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله - تعالى - إلا أعطاك الله خيراً منه[1].

  1. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، برقم (994)، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم (5364).