الأحد 28 / شوّال / 1446 - 27 / أبريل 2025
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَٱضْرِب بِّهِۦ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال: وقوله - جلت عظمته -: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ وذلك أن أيوب - عليه الصلاة والسلام - كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه الله، وعافاه؛ ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة، والرحمة، والشفقة، والإحسان؛ أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله أن يأخذ ضغثاً وهو: الشِّمْراخ فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة، وقد بَرّت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله، وأناب إليه؛ ولهذا قال - جل وعلا -: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ".

هنا في قوله: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ الضغث هنا قال الحافظ ابن كثير: هو الشمراخ فيه مائة قضيب، والضغث يصدق على الشمراخ وغيره، لكن هذه الكلمة في أصلها تدل على أخلاط مجتمعة، قالوا: أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ [سورة يوسف:44] أضغاث أي: أخلاط، قالوا: فالأضغاث جمع ضغث وهو الشيء المجتمع سواء كان ذلك من حشائش أو كان من شمراخ، شماريخ النخل، وشمراخ النخل هو الذي يكون فيه الرطب، وكذلك قد يكون من فروع أشجار أو نحو هذا مختلطٌ الرطب فيها باليابس، فكان حلف أن يضربها كما يدل عليه السياق، فقال الله له: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ، فيكون قد بر بيمينه، وحقق ذلك بشيء لا يضرها، ولا يؤذيها، والفقهاء - رحمهم الله - يستنبط بعضهم من هذا أن من حلف أن يضرب إنساناً مثلاً مائة ضربة أنه ممكن أن يأخذ شمراخاً، وفيه مائة من القضبان، فيضرب به السياط، ويكون قد بر بيمينه، لكن هذا ليس محل اتفاق بعضهم كالشافعي - رحمه الله - يقول: ما لم ينوِ أو يقيد ذلك بالشديد، فقال: ضرباً شديداً، أو نوى أن يضربه ضرباً بعصا، أو سوط، أو نحو ذلك؛ فلا يجزئه أن يكون تحلّة قسم بضربة واحدة؛ لأن مقصوده هو أن يعاقبه عقوبة شديدة، وهذا نموذج أو مثال على ما يستخرج من القصص من الأحكام، فإن العلماء - رحمهم الله - حينما تكلموا على أحكام القرآن فإن الغالب أنهم تكلموا على الآيات المباشرة التي سيقت لتقرير الأحكام، وهذا الذي يسمونه بالخمسمائة آية، كما ألف في هذا مقاتل وغيره، وعلى هذا جرى كثير من المؤلفين في أحكام القرآن، ولكن بعضهم كالقرطبي - رحمه الله - فسر القرآن بكامله، ويستخرج الأحكام من مثل هذه المواضع (القصص)، فيقولون: لو تأتي مسألة شرع من قبلنا، وقد ورد في هذا حديث في ضرب رجل مقعد، لو صح الحديث؛ فيكون ذلك من شرعنا، لكن شرع غيرنا (شرع من قبلنا) هل هو شرع لنا أو لا؟ المقصود أنه لا يوجد في شرعنا ما يخالفه، فإذا وجد ما يخالفه فليس بشرع لنا.

"قال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أثنى الله - تعالى - عليه، ومدحه بأنه نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أي: رَجّاع منيب؛ ولهذا قال : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [سورة الطلاق:2-3]".