الخميس 24 / ذو القعدة / 1446 - 22 / مايو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلماً؛ فإنما يأكل في بطنه ناراً، ولهذا قال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [سورة النساء:10]، أي: إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب، فإنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة."

النصب في قوله سبحانه: يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا يحتمل أمرين:
أن يكون النصب على المصدرية، أي أكل ظلم.
أن يكون النصب على الحالية أي ظالمين لهم، والقيد بقوله: (ظلما) يعد صفة معتبرة، بخلاف قوله سبحانه: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38]، وقوله سبحانه: وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ [سورة آل عمران:112]، فيعد صفة كاشفة.
وأما العقاب المنتظر للمتطاولين ظلماً، وجوراً على أموال اليتامى فإنهم يوم القيامة: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا، وعبر بالنار؛ لأنها سبب لها من باب إطلاق المسبب على السبب.
وقد قرأ عاصم، وابن عامر قوله سبحانه: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا، بضم الياء وَسَيُصْلَوْنَ سَعِيرًا، والمعنى أي: يدخلونها، أو يحترقون فيها، وأصل مادة يصلون: مباشرة النار، والاكتواء بلهيبها، تقول: اصطليت بالنار إذا تسخنت، واستدفأت بها من البرد، أو نحو ذلك.
ويقال: صلاها إذا عرض عليها، تقول العرب: صليت اللحم بمعنى عرضته على النار، ومنه قوله : لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [سورة الليل:15]، والقولان متلازمان.
والسعير: يطلق على الجمر الملتهب المشتعل، ويطلق أيضاً على شدة حر جهنم، فيقال له: سعير، - والله أعلم بالصواب -.
"وفي الصحيحين عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات[1]."
  1. رواه البخاري في كتاب الوصايا – باب قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا  [سورة النساء:10] برقم (2615) (3/11017)، ومسلم في كتاب الإيمان – باب بيان الكبائر وأكبرها برقم (89) (1/92).

مرات الإستماع: 0

"إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] قيل: نزلت في الذين لا يورثون الإناث، وقيل: في الأوصياء، ولفظها عامٌ في كل من أكل مال اليتيم بغير حق".

"نزلت في الذين لا يورثون الإناث" هذا مما يدخل في معناها، فهو إن لم يورث الإناث أخذ نصيبهن، هذا مما يدخل في المعنى، ويدخل في المعنى غير ذلك مما سبق، ولفظها عام في كل من أكل مال اليتيم بغير حق، سواءً كان أنثى لم يورثها أصلًا، أو كان هذا اليتيم، وارثًا، فكان هذا وصيًا عليه، فأخذ ماله، وأكله، وضيعه، ونحو ذلك.

وقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] منصوب على المصدرية، يعني: أكل ظلمٍ، أو على الحالية أي: ظالمين لهم، على سبيل الظلم.

"إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10] أي: أكلهم لمال اليتامى يؤول إلى دخولهم النار، وقيل: بل يأكلون النار في جهنم".

يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10] هذا إما باعتبار ما يكون، أو إنه على ظاهره، أن ذلك يكون في نار جهنم، وهذا الثاني هو الذي اختاره الحافظ بن كثير - رحمه الله -[1] فمن نظر إلى الحال أنه يأكل طعامًا، أو نحو ذلك، فكيف يأكل نارًا؟ قال: إن ذلك باعتبار المآل، ومن نظر إلى ظاهر اللفظ يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10] قال: هذا يوم القيامة، والآية تحتمل هذا، وهذا.

ولا شك أن أكله في الدنيا يؤول به إلى تلك الغاية، والنهاية، وهو أن يأكل النار في جوفه يوم القيامة، كما قال النبي ﷺ: فإنما هي قطعةٌ من النار[2] يعني في الحقوق، والمطالبات، والخصومات بين الناس، فيأخذ حق أخيه فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها[3]فهل هي قطعة من نار الآن؟ هي تؤول إلى ذلك، فهذا مثل هذا - والله أعلم -. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/222).
  2. أخرجه البخاري في كتاب المظالم، والغصب، باب إثم من خاصم في باطل، وهو يعلمه برقم: (2458)، ومسلم في الأقضية، باب الحكم بالظاهر، واللحن بالحجة برقم: (1713).
  3. سبق تخريجه.