الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
وَلَا تَهِنُوا۟ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ [سورة النساء:104] أي: لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدوا فيهم وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد.
إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ [سورة النساء:104] أي: كما يصيبكم الجراح، والقتل، كذلك يحصل لهم كما قال تعالى: إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ [سورة آل عمران:140].
 ثم قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [سورة النساء:104] أي: أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياكم من الجراح، والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة، والنصر، والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ، وهو وعد حق، وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئاً من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة في إقامة كلمة الله، وإعلائها.
وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [سورة النساء:104] أي: هو أعلم، وأحكم فيما يقدره، ويقضيه، وينفذه، ويمضيه من أحكامه الكونية، والشرعية، وهو المحمود على كل حال.

مرات الإستماع: 0

"وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ [النساء:104] أي: لا تضعفوا في طلب الكفار.

إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ [النساء:104] الآية، معناها: إن أصابكم ألمٌ من القتال، فكذلك يصيب الكفار ألمٌ مثله، ومع ذلك فإنكم ترجون إذا قاتلتموهم النصر في الدنيا، والأجر في الآخرة، وذلك تشجيع للمسلمين".

يعني هذا تقوية للقلوب، والآية التي قبلها في صفة صلاة الخوف، هذا في حال الحرب، والقتال، ومع ذلك يصلون جماعةً، فهذا يدل:

أولًا: على أهمية الصلاة، وأنها لا تُضيع.

والأمر الثاني: يدل على أهمية صلاة الجماعة، وهو من أدلة القائلين بالوجوب، فإذا كانوا يصلون في مثل هذه الحال، وهم أمام العدو، وفي حال خوف، فمن باب أولى في حال الأمن، أن يصلوها جماعةً، وهنا في هذه الآية وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ [النساء:104] فيه تقوية لقلوبهم، وحث على جهاد أعدائهم، يقول: هؤلاء يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104] فهذا القدر الذي تفترقون به معهم، فهؤلاء يقاتلون، ولا يرجون من الله - تبارك، وتعالى - الأجر، ولا الثواب، والقتلى صرعى في النار، وأنتم ترجون الجنة، وقتلاكم في الجنة، وما يصيبكم من أذى، أو جراح، وهذه النفقات التي تنفقونها في سبيل الله كل ذلك يكون رفعةً في درجاتكم، ويعطيكم الله عليه الثواب العظيم، فيضاعف لكم الأجور، وهؤلاء لا يرجون ثوابًا، ولا عائدةً لهذه الأعمال، والقتال، ومع ذلك يقدمون عليه، ويبذلون الأموال في هذا السبيل، وهو سبيل الشيطان، وأنتم ترجون من الله - تبارك، وتعالى - الجنة، والثواب العظيم، فهذه لا شك أنها تقوي نفوس أهل الإيمان، وتقوي عزائمهم، وهذه المقارنة لا شك أنها تدفع وساوس الشيطان، وخواطره، وما قد يعتري النفس البشرية من الضعف الطبيعي الذي يوجد، والوهن، حيث إن القتال أمرٌ مكروه للنفوس، تكرهه بطبيعتها، وجبلتها غالبًا، ويثقل عليها كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216] والناس يحبون الإخلاد إلى الأرض، والراحة، والتنعم، والالتذاذ بهذه الدنيا، وما فيها من المباهج، واللذات المتنوعة، ويكرهون القتال في سبيل الله لما فيه من القتل، وذهاب الأموال، والجراح، والمشقات العظيمة، وما يعتور النفوس من الخوف، ونحو ذلك، فالله يقوي هذه النفوس، والعزائم، ويقول: هم يألمون كما تألمون، ومع ذلك يقاتلون، فلم يتوقفوا مع أنهم لا يرجون شيئًا من الله - تبارك، وتعالى - وها هم يُسيرون الجيوش تتلوها الجيوش، ويصبرون في الحرب، ويقاتلون، ولا يكلون، ولا ينقطعون، وهم في سبيل الشيطان، فأنتم أولى؛ لأنكم ترجون من الله ما لا يرجون.