الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [سورة النساء:113] أي: قبل نزول ذلك عليك، كقوله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ [سورة الشورى:52] إلى آخر السورة".

يقول: وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ [سورة النساء:112] ما قال: يرم بهما وإنما وحَّد الضمير، فإما لأنه يعود إلى الكسب أي: ومن يكسب ثم يرم بما اكتسب، أو لأنه يعود على الإثم يعني يرم بالإثم، فالضمير إما أن يعود على الكسب أو الإثم؛ لأنه لو كان على الخطيئة لكان قال: ثم يرم بها إلا أن يقال: إنه يعود إلى الخطيئة والإثم معاً وذكَّر الضمير تغليباً فهذا معروف في كلام العرب، أو يقال: إنه جعل الضمير مذكراً باعتبار "أو" بمعنى أنه يكسب واحداً منهما، والله أعلم.
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [سورة النساء:113] أي: قبل نزول ذلك عليك، كقوله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ [سورة الشورى:52] إلى آخر السورة".

قوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [سورة النساء:113] أي أن الله  أنزل عليك كتابه، ووحيه.
وهذه الآية كقوله : مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ [سورة الشورى:52] وكقوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [سورة الضحى:7] يعني عن الوحي والنبوة فأنزل الله عليك هذا الوحي، والكتاب.
ويحتمل أن يكون قوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [سورة النساء:113] يعني حيث أطلعك الله على جلية الأمر في هذه القضية التي أرادوا فيها أن يضللوك عن وجه الصواب والحق لتحكم فيها بغير ذلك.
"وقال تعالى: وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ [سورة القصص:86] ولهذا قال تعالى: وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [سورة النساء:113]".

يقول تعالى: وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [سورة النساء:113] الحكمة إذا ذكرت مع الكتاب فهي السنة، وإذا ذكرت مفردة فمن أهل العلم من يفسرها بالنبوة في بعض المواضع، ومنهم من يفسرها بالفقه في الدين، أو العلم بالقرآن، ومن أهل العلم من يجمع هذه المعاني، ويعيدها إلى شيء واحد كالحافظ ابن القيم - رحمه الله -، فيرجع ذلك إلى الفقه في الدين، والعلم بالشرع، ولا شك أن ذلك أوفى ما يكون في النبوة، وما يعلمه الناس من هذا فإنما يكون عن طريق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
وهذه الحكمة تكون علمية، وعملية، فالحكمة العملية هي وضع الشيء في موضعه، وإيقاعه في موقعه، ويمكن أن يعبر عن الحكمة بأنها الإصابة في القول، والعمل، ويمكن أن يقال: الحكمة العلمية هي معرفة الحق، والحكمة العملية هي العمل به على الوجه الصحيح، بمعنى وضع الشيء في موضعه، وإيقاعه في موقعه، فالفقه في الدين هو الحكمة العلمية، وإيقاع الشيء في موقعه، ووضعه في موضعه هو الحكمة العملية، والإنسان يحتاج إلى علم بحدود ما أنزل الله ، ويحتاج إلى عقل، أما أن يكون عنده علم لكنه لا يضع الشيء في موضعه، فلا يتكلم حيث يحسن الكلام، ولا يسكت حيث يحسن السكوت، ولا يقدم حيث يحسن الإقدام، فهذا وإن كان عنده علم إلا أنه قد يفسد أكثر مما يصلح، وقد يكون عند الإنسان عقل لكن لا علم له، وإنما يحصل الكمال بهما معاً، والله أعلم.

مرات الإستماع: 0

"{لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} [النساء:113] هم الذين جاءوا إلى النبي ﷺ وأبرئوا ابن الأُبيرق من السرقة[1] وهذه الآية، وإن كانت إنما نزلت بسبب هذا القصة، فهي أيضًا تتضمن أحكامًا غيرها، وبقية الآية تشريفٌ للنبي ﷺ وتقريرٌ لنعم الله عليه".

 

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ [النساء:113] باعتبار أنهم يصورون له الأمر على غير حقيقته.

  1. أخرج القصة الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن باب ومن سورة النساء (5/244-3036) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب" والطبراني في المعجم الكبير (19/9-15) وحسنه الألباني.