الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
لَّعَنَهُ ٱللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: لَّعَنَهُ اللّهُ [سورة النساء:118] أي: طرده، وأبعده من رحمته، وأخرجه من جواره.
وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا [سورة النساء:118] أي: مُعيّنا، مقدَّرًا، معلومًا".
قال مقاتل بن حيان: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة.

قوله: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا [سورة النساء:118] الفرض أصله التقدير، والمعنى أن من اتبعه من بني آدم فهو من نصيبه المفروض، وحظه المقسوم، وهذا المعنى ذكره الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، وذكر طائفة من المفسرين من أصحاب المعاني كالزجاج، والفراء، وأمثالهما ذكروا معانِيَ قريبة من هذا، وما ذكره الحافظ ابن كثير أيضاً وهو قوله: "أي: مُعَيَّنا، مقدَّرًا، معلومًا" لا يخرج عن هذه المعاني.
وهذا النصيب المفروض هم الذين أطاعوه، واتبعوه، وهم الأكثرية كما دلت عليه هذه الآيات، وقد تحقق له ما ظنه بما عرفه من طبيعة بني آدم.
وحينما طرده الله من رحمته طلب الإمهال إلى يوم الدين، فلما أمهله الله قال: لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً [سورة الإسراء:62] فذكر أنه يجهد، ويجد، ويجتهد في إضلال الناس، وأنه سيضل أكثر الخلق إلا قليلاً، وبيَّن أن هؤلاء القليل هم المخلصون فقال: إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [سورة الحجر:40].
وبيَّن الله في موضع آخر أن ظنه هذا قد تحقق لما قال: وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [سورة الأعراف:17] قال الله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ [سورة سبأ:20] فحصل ما أمله فاتبعه أكثر الخلق، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [سورة يوسف:103]، وقال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأنعام:116].

مرات الإستماع: 0

"لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:118] صفةٌ للشيطان".

إذا قيل: إنه صفة للشيطان، فلا يكون ذلك دعاءً، فيحتمل أن يكون قوله: لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:118] دعاء بالطرد، والإبعاد من رحمة الله - تبارك، وتعالى - ويحتمل أنه وصف، فلعنة الله قد تحققت فيه، فيكون بهذا الاعتبار من قبيل الوصف، كما قال الله : وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [ص:78] فهي لعنةٌ متحققةٌ، واقعة، فهنا يُخبر عن ذلك، يقول: لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:118] فيكون من قبيل الخبر، وليس من قبيل الإنشاء، الذي هو الدعاء، هذا معنى قوله: بأنه، وصف للشيطان.

"وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118] الضمير في قَالَ للشيطان: أي: فرضته لنفسي، من قولك: فُرض للجند، وغيرهم، والمراد بهم أهل الضلال".

لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118] يعني معلومًا مقدرًا، وهم أهل الكفر، أجعلهم أولياء لي، فيكونون من حزبه، ومن أصحاب السعير.