كل المعاني التي ذكرها السلف في قوله: وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ صحيحة؛ فهو يمنيهم بطول العمر، وأنهم سيتوبون، ويمنيهم بأن لهم الدار الآخرة، ويمنيهم بتحقيق الآمال، وتحصيل المطالب من غير جدٍ، ولا عمل، ويمنيهم بأن الله غفور رحيم، وأنه لا ينتفع من تعذيبهم، ويمنيهم أيضاًَ بالشفاعة، وهكذا يمنيهم بكل ما يمنى به المبطل، والمبطل هذا تارة تكون أمانيه من قبيل الأمور الدنيوية، وتارة تكون في قضايا أخروية، وتارة من غير عمل وتسبُّب لتحصيل ذلك، فهذا كله داخلٌُ في هذه الأماني، وكل ما ذكره السلف مما يمني الشيطان به الناس فهو من قبيل التفسير بالمثال، ولذلك لا حاجة للترجيح بين هذه المعاني التي يذكرونها.
البتك هو القطع، ويقصد به هنا قطع أذن البحيرة، والسائبة، والوصلية وما أشبه ذلك مما يسيبونه للطواغيت.
في قوله تعالى: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ [سورة المائدة:103] هذه عقائد جاهلية عندهم حيث كانوا يُبَحِّرون البحائر، ويسيبون السوائب، ويحمون الحام وهو البعير الذي يتركونه بعد أن ضرب الضراب المعروف حيث يقولون: قد حمى ظهره، والمقصود أن عندهم أشياء معينة إذا حصلت فإنهم يسيبون هذه السوائب للطواغيت فلا ينتفعون بدرِّها، ولا بلحمها، ولا بوبرها، ولا غير ذلك، وهذا كله مما افتروه على الله .
قوله: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ [سورة النساء:119] منهم من فسره بالوشم، ومنهم من فسره بما يفعلونه بهذه البهائم من التغيير، والتبديل، ومنهم من فسره بغير هذا، وكل ذلك داخل فيه، ويمكن أن يفسر بتفسير يشمل ذلك جميعاً، وهو ما ذكره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -، ومال إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في الأضواء بأن المراد بقوله: فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ [سورة النساء:119] أي ليغيرن دين الله، ويدخل في تغيير دين الله قطع آذان البهائم، وما يفعلونه بالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، ويدخل فيه كذلك الوشم المعروف، والوشر وهو برد الأسنان بالمبرد بحيث تكون متساوية، وتجعل متفرقة بطريقة متناسقة بحثاً عن الحسن، والجمال، وكل ما نهى الله - تبارك وتعالى - عنه فهو من تغيير دين الله ، وهذا قال به طائفة من السلف كابن عباس وإبراهيم النخغي، ومجاهد والحسن، والضحاك وقتادة، وسعيد بن المسيب وغيرهم، ويؤيده قوله - تبارك وتعالى -: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [سورة الروم:30] يعني لا تبديل لدين الله، ويدخل فيه قول النبي ﷺ: ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ثم ذكر البهيمة فقال: كما تنتج بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟[2].
وقوله تعالى: وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا [سورة النساء:119] أي: فقد خسر الدنيا والآخرة، وتلك خسارة لا جبر لها، ولا استدراك لفائتها".
- أخرجه البخاري في كتاب اللباس - باب الوصل في الشعر (5589) (ج 5 / ص 2216) ومسلم في كتاب اللباس والزينة - باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله (2124) (ج 3 / ص 1677).
- أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1292) (ج 1 / ص 456) ومسلم في كتاب القدر - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (2658) (ج 4 / ص 2047).
- أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الحشر (4604) (ج 4 / ص 1853) ومسلم في كتاب اللباس والزينة - باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله (2125) (ج 3 / ص 1678).