باعتبار أن (من) تبعيضية وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ[النساء:124] أي: من الأعمال الصالحات، فلا يُقال: بأن (من) هنا للجنس.
ولذلك يُقال: بأن شروط قبول العمل ثلاثة، وهي المذكورة في هذه الآية وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [النساء:124] فالعمل لا يكون صالحًا إلا إذا كان خالصًا صوابًا، إخلاص، واتباع للشرع، الشرط الثالث: الإيمان وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124] فلو جاء بعملٍ يريد به وجه الله، وقد تابع فيه النبي ﷺ، أو الوجه المشروع، ولكنه مشرك شركًا أكبر، فإن عمله لا يُقبل، فلا بد من شرط الإيمان الصحيح لقبول الأعمال، كما قال في أول سورة الكهف: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الكهف:2] وفي آخرها: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا[الكهف:110] فذكر الإيمان في أولها، وهنا قال: وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] فهذه الشروط الثلاثة مذكورة في هذه المواضع.
الله - تبارك، وتعالى - يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7 - 8] فهذا تمثيل بأصغر الأشياء، وهنا قال: وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124] فالنقرة هي ثقب في ظهر النواة صغير كأنه ثقب إبرة، وهذا شيءٌ يسير، فهم لا يظلمون مثل هذا، وكذلك أيضًا لا يظلمون فتيلاً، والفتيل هو مثل الخيط في شق النواة، وهناك شيء ثالث، وهو: القطمير، وهو غشاء خفيف يكون على النواة.