الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُو۟لَٰٓئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الآية [سورة النساء:124] لما ذكر الجزاء على السيئات، وأنه لا بد أن يأخذ مستحقها من العبد إما في الدنيا - وهو الأجود له-، وإما في الآخرة  - والعياذ بالله من ذلك، ونسأله العافية في الدنيا والآخرة، والصفح، والعفو، والمسامحة - شرع في بيان إحسانه، وكرمه، ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذُكْرَانهم، وإناثهم؛ بشرط الإيمان، وأنه سيدخلهم الجنة، ولا يظلمهم من حسناتهم، ولا مقدار النقير، وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة، وقد تقدم الكلام على الفتيل، وهو الخيط الذي في شق النواة، وهذا النقير وهما في نواة التمرة، وكذا القطمير وهو اللفافة التي على نواة التمرة، الثلاثة في القرآن".

مرات الإستماع: 0

"وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [النساء:124] دخلت (من) للتبعيض رفقًا بالعباد؛ لأن الصالحات على الكمال لا يطيقها البشر".

باعتبار أن (من) تبعيضية وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ[النساء:124] أي: من الأعمال الصالحات، فلا يُقال: بأن (من) هنا للجنس.

"وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124] تقييدٌ باشتراط الإيمان، فإنه لا يُقبل عملٌ إلّا به".

ولذلك يُقال: بأن شروط قبول العمل ثلاثة، وهي المذكورة في هذه الآية وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [النساء:124] فالعمل لا يكون صالحًا إلا إذا كان خالصًا صوابًا، إخلاص، واتباع للشرع، الشرط الثالث: الإيمان وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124] فلو جاء بعملٍ يريد به وجه الله، وقد تابع فيه النبي ﷺ، أو الوجه المشروع، ولكنه مشرك شركًا أكبر، فإن عمله لا يُقبل، فلا بد من شرط الإيمان الصحيح لقبول الأعمال، كما قال في أول سورة الكهف: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [الكهف:2] وفي آخرها: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا[الكهف:110] فذكر الإيمان في أولها، وهنا قال: وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] فهذه الشروط الثلاثة مذكورة في هذه المواضع.

"نَقِيرًا [النساء:124] هو النقرة التي في ظهر نواة التمرة، والمعنى: تمثيل بأقل الأشياء".

الله - تبارك، وتعالى - يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7 - 8] فهذا تمثيل بأصغر الأشياء، وهنا قال: وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124] فالنقرة هي ثقب في ظهر النواة صغير كأنه ثقب إبرة، وهذا شيءٌ يسير، فهم لا يظلمون مثل هذا، وكذلك أيضًا لا يظلمون فتيلاً، والفتيل هو مثل الخيط في شق النواة، وهناك شيء ثالث، وهو: القطمير، وهو غشاء خفيف يكون على النواة.