الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا۟ أَن تَعْدِلُوا۟ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا۟ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ [سورة النساء:129] أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسْم الصوري ليلة وليلة؛ فلا بد من التفاوت في المحبة، والشهوة، والجماع كما قاله ابن عباس - ا -، وعُبَيْدة السَّلْمَاني، ومجاهد، والحسن البصري، والضحاك بن مزاحم.
ورواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة - ا - قالت: كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قَسْمي فيما أملك؛ فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني: القلب، هذا لفظ أبي داود وهذا إسناد صحيح[1].
وقوله: فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ [سورة النساء:129] أي: فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [سورة النساء:129] أي: فتبقى هذه الأخرى مُعَلَّقة".

يعني أنه لا يملك قلبه، فإذا أحب إحداهن فليس له أن يتبع ذلك بالعمل، فتكون أخلاقه الحسنة، ولسانه الطيب، ووجهه، وإقباله على إحداهن، والأخرى منبوذة متروكة ليس لها إلا الزجر، والإغلاظ، وتضييع الحقوق، وتقصير في النفقات وما أشبه ذلك، فهناك ما هو مستطاع، وهناك ما هو غير مستطاع، فما لا يستطاع فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فالميل القلبي لا يؤاخذ عليه الإنسان، لكن كما قلنا مراراً: إن خطاب الشارع إذا توجه إلى المكلف في أمر غير مقدور فإنه يتوجه إلى سببه، أو إلى أثره فهنا يتوجه إلى الأثر، فلا يكون الإنسان متبعاً ميل القلب بإقبال الوجه وما إلى ذلك من الأمور العملية على إحداهن، والأخرى لها الزجر، والإبعاد، والتقصير، والتضييع لها، ولحقوقها؛ فهذا لا يجوز، وأما في الجماع فإنه لا يجب عليه أن يعدل بينهن في الجماع، لكنه يجب أن يعدل في المبيت بمعنى أنه يبيت عند هذه ليلة مثلاً وعند هذه ليلة - إلا إذا أسقطت حقها -، لكن إذا بات عند هذه فجامعها فإنه لا يجب عليه أن يجامع الثانية في ليلتها، وإنما الواجب هو المبيت فقط.
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [سورة النساء:129] أي: فتبقى هذه الأخرى مُعَلَّقة قال ابن عباس - ا - ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان: معناه لا ذات زوج ولا مطلقة.
ولهذا جاء في قراءة أبيّ قال: فتذروها كالمسجونة، يعني إنها ليست زوجة كالزوجات، وإنما يحبسها في عصمته بحيث لا تستطيع أن تتصرف، وتتزوج، ويتقدم إليها الخطاب، وليست بذات زوج يؤدي إليها حقوقها فهي حبيسة عنده، والنساء أسيرات كما قال النبي ﷺ: استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوانٍ عندكم[2].
"وروى أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وأحد شِقَّيْهِ ساقط[3].
وقوله: وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء:129] أي: وإن أصلحتم في أموركم، وقسمتم بالعدل فيما تملكون، واتقيتم الله في جميع الأحوال؛ غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض".

يعني وإن أصلحتم في أموركم، وأصلحتم ما حصل من تقصير، وتضييع لحقوق الزوجة؛ فإن الله يغفر؛ لأن الذنوب، والجرائم، والمخالفات التي يقع فيها إفساد، وتضييعٌ لحقوق الغير يجب فيها الإصلاح كما قال الله في كثير من المواضع التي يذكر فيها التوبة كتوبة المفسدين، والمرتدين وما أشبه ذلك: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ [سورة البقرة:160] ولذلك من بثّ بدعة يُتَّبع فيها، أو نَشر فساداً أو نحو ذلك؛ فإنه يطالب بإزالة آثار ذلك بقدر استطاعته.
ولو أن إنساناً ضيَّع حقوق زوجته أو زوجاته، وظلم وقصَّر في الحقوق؛ فإنه مطالب أن يصلح ما أفسد في أموره كلها مع هؤلاء الزوجات، وأن يتقي الله فيما يأتي، وما يذر، وأن يتقي الله في حدوده كلها فلا ينتهكها وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء:129].
  1. أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في القسم بين النساء (2136) (ج 2 / ص 208) والدارمي في كتاب النكاح - باب القسمة بين النساء (2207) (ج 2 /  ص 193) وقال حسين سليم أسد: "إسناده صحيح" وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4593).
  2. أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع - باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (1163) (ج 3 / ص 467) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7880).
  3. أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح - باب القسمة بين النساء (1969) (ج 1 / ص 633) وأحمد (8549) (ج 2 / ص 347) وقال الأرنؤوط: " إسناده صحيح على شرط الشيخين " وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1949).

مرات الإستماع: 0

"وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129] معناه: العدل التام الكامل في الأقوال، والأفعال، والمحبة، وغير ذلك، فرفع الله ذلك عن عباده، فإنهم لا يستطيعون.

وقد كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك[1] يعني: ميله بقلبه، وقيل: إنّ الآية نزلت في ميله ﷺ بقلبه إلى عائشة، ومعناها اعتذارٌ من الله تعالى عن عباده".

يقول الله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129] والمقصود به العدل التام، في الأقوال، والأفعال، والمحبة، وغير ذلك، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلةً، وليلة، وهكذا في النفقة، فلا بد من التفاوت في المحبة، والشهوة، والجماع؛ لأنه يجب عليه القسم في المبيت، لكن لا يجب عليه إذا جامع هذه أن يجامع هذه، فقد يبيت عندها، ولا يُجامع، لكن لا يُلحق بها الضرر بالهجر، وترك الجماع، وإنما يُعاشر بالمعروف، فقد يجامع هذه كل ليلة يبيت عندها، والأخرى قد لا يجامعها في كثيرٍ من الليالي، فإذا وجد القسم الصوري فإن ذلك لا يعني، وجود العدل التام فيما لا يملكه الإنسان من المحبة، والشهوة، بل حتى الجماع مع أنه يملك ذلك، لكنه لا يجب عليه، كما جاء عن ابن عباس - ا - وجماعة من السلف: كعبيدة السلماني، ومجاهد، والحسن، والضحاك[2] فخفف الله عن العباد في مثل هذا.

ولهذا قال النبي ﷺ : اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك [3] وهذا الحديث عند بعض أصحاب السنن، وقد صحح إسناده الحافظ ابن كثير - رحمه الله -[4] وضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني[5] رحم الله الجميع.

وقوله: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك [6] يعني: الميل بالقلب "وقيل: إنّ الآية نزلت في ميله ﷺ بقلبه إلى عائشة".

وهنا يقول في الحاشية نقلاً عن ابن كثير، حيث نقل رواية ابن أبي حاتم، من طريق حسين الجعفي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي ملكة، قال: نزلت هذه الآية وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129] في عائشة، يعني أن النبي ﷺ كان يحبها أكثر من غيرها، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأهل السنن... إلى آخره[7] وذكر هذا الحديث، قال: اللهم هذا قسمي فيما أملك[8] قال: يعني: القلب، قال: وهذا إسنادٌ صحيح[9] لكن هذه الرواية كما ترون مرسلة، ثم في إسنادها أيضًا من هو مضعف، إضافةً إلى أنها ليست من قبيل الصريح في سبب النزول، يقول هنا: "نزلت هذه الآية في عائشة" يعني ذلك مما يدخل في المعنى، لكن الرواية أصلاً ضعيفة، فلا يُقال: أن ذلك له تعلق بأسباب النزول.

"فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] أي: لا ذات زوج، ولا مطلقة".

جعل هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، والربيع بن أنس، والسُدي، ومقاتل[10].

وفي قراءة أُبي: (فتذروها كالمسجونة)[11] بمعنى أنها لا تتصرف كالخلية، فتتزوج، وليست أيضًا بذات حظوة عنده، وإنما حبسها عنده مع تضييع حقوقها، فلا هي ذات زوج، ولا مطلقة، معلقة.

  1. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر برقم: (1140)  وأبو داود في كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء برقم: (2134)  وابن ماجه في كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء برقم: (1971)  وضعفه الألباني،  وأخرجه أحمد ط الرسالة (42/46 - 25111)  وقال محققو المسند: "هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة،  وعبد الله ابن يزيد -   وهو رضيع عائشة -  فمن رجال مسلم".
  2.  تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  3.  سبق تخريجه.
  4.  تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  5. ضعيف الجامع (ص:662 - 4593).
  6.  سبق تخريجه.
  7.  تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  8.  سبق تخريجه.
  9.  تفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  10.  تفسير ابن أبي حاتم  -  محققا (4/1084)  وتفسير ابن كثير ت سلامة (2/430).
  11.  تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/572)  وتفسير الرازي = مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير (11/237)  واللباب في علوم الكتاب (7/57).