"مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] الآية: تقتضي الترغيب في طلب ثواب الآخرة؛ لأنه خير من ثواب الدنيا، وتقتضي أيضا أن يُطلب ثواب الدنيا، والآخرة من الله وحده، فإنّ ذلك بيده لا بيد غيره، وعلى أحد هذين الوجهين، يرتبط الشرط بجوابه، فالتقدير على الأول مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فلا يقتصر عليه خاصة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] وعلى الثاني مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فليطلبه من الله فعنده ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134]."
قوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] يقول: تقتضي الترغيب في طلب ثواب الآخرة؛ لأنه خيرٌ من ثواب الدنيا، وتقتضي أيضا أن يطلب ثواب الدنيا، والآخرة من الله وحده، هذه كما قال الله : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا [الشورى:20] وهكذا في قوله - تبارك، وتعالى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] والمطلق من هذه الآيات محمولٌ على المقيد، وأعني بالمقيد ما جاء في آية الإسراء: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] فهذان قيدان:
القيد الأول: في العطاء مَا نَشَاءُ [الإسراء:18].
والقيد الثاني: في المُعطَين لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] فما كل من أراد الدنيا يُعطى، بينما في قوله - تبارك، وتعالى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا [الشورى:20] هذا مطلق، ومحمولٌ على المقيد مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] جاء به على طريقة الإخبار، يعني فليكن طلب ذلك من الله - تبارك، وتعالى - وليكن التوجه إليه وحده دون من سواه؛ لأنه هو الذي يملك الدنيا، والآخرة، وقد قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في بيان محمله، ومعناه يعني مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] يعني ليس له هم إلا الدنيا - نسأل الله العافية - يعني ليس له طلب سوى هذه العاجلة، ويكون المعنى عند ابن كثير - رحمه الله -: "يا من ليس همه إلا الدنيا اعلم أن عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] وإذا سألته من هذه، وهذه أغناك، وأعطاك، وأقناك" أقناك يعني أقنعك بما أعطاك أَغْنَى وَأَقْنَى [النجم:48] كما جاء عن ابن عباس - ا -.
وفسَّره ابن جرير - رحمه الله -: بأن المنافق يُثاب في الدنيا بالمغنم، ويأمن على نفسه، وثوابه في الآخرة بالنار، وحمله على من دخل في أمر بني أُبيرق، ومن شابههم يرى أن هذه الآيات لازالت متصلة بهذا المعنى مع أن ظاهرها عام، ظاهر الآية عام.
يقول: وعلى أحد هذين الوجهين، يرتبط الشرط بجوابه، فالتقدير على الأول، ما هو الأول؟ أنها ترغيب في طلب ثواب الآخرة لأنه خيرٌ من ثواب الدنيا على الأول مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فلا يقتصر عليه خاصة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] وعلى الثاني: يعني أن يطلب ثواب الدنيا، والآخرة من الله وحده مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فليطلبه من الله فعنده ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134].
كل هذا لا إشكال فيه، وعليه أن يتوجه إلى الله، وأن يطلب ذلك من الله وحده، وألا يقتصر على طلب الدنيا.