الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًۢا بَصِيرًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [سورة النساء:134] أي: يا من ليس هَمُّه إلا الدنيا؛ اعلم أن عند الله ثواب الدنيا، والآخرة، وإذا سألته من هذه وهذه أغناك، وأعطاك، وأقناك".

يقول: "أغناك، وأعطاك، وأقناك" أقنى بمعنى أرضى بما أعطى، ومعنى أغنى معروف.
وابن جرير لا يزال يرى أن هذه الآيات فيمن دخل في أمر أولئك الذين حصلت منهم تلك الخيانة من بني أبيرق ممن كلموا النبي ﷺ في شأنهم، ووقفوا معهم، ودافعوا عنهم، ولذلك يرى ابن جرير أن قوله تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا أي: ثواب الدنيا بالنسبة إليهم - أي المنافقين - هو ما يحصل لهم من المغنم، وحقن الدماء، وإحراز الأموال، وأن ثواب الآخرة لهم النار.
وإذا حملنا الآية على العموم قلنا: هذا لا يختص بهم بل هو خطاب عام، ومن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، فثواب الدنيا ما يحصل فيها من الأمور السارة من غنيمة، وغنى، وسعة، ورغد عيش، وما يحصل فيها أيضاً من عافية في الأبدان، أو ما يمنحها الله فيها من العطايا، والأولاد إلى غير ذلك، وثواب الآخرة هو ما يحصل من الجنة، والنعيم المقيم الأبدي السرمدي، هذا كله من الله - تبارك وتعالى -، والمقصود أن توحد الرغبة فيُتوجه إليه ، ويطلب ذلك منه، فالخير وخزائنه بيده، هذا هو المقصود، والله تعالى أعلم.
"كما قال تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ۝ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ الآية [سورة البقرة:200-202] وقال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ الآية [سورة الشورى:20] وقال تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ [سورة الإسراء:18] إلى قوله: انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ الآية [سورة الإسراء:21] ولهذا قال: وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [سورة النساء:134]".

مرات الإستماع: 0

"مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] الآية: تقتضي الترغيب في طلب ثواب الآخرة؛ لأنه خير من ثواب الدنيا، وتقتضي أيضا أن يُطلب ثواب الدنيا، والآخرة من الله وحده، فإنّ ذلك بيده لا بيد غيره، وعلى أحد هذين الوجهين، يرتبط الشرط بجوابه، فالتقدير على الأول مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فلا يقتصر عليه خاصة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] وعلى الثاني مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فليطلبه من الله فعنده ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134]."

قوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] يقول: تقتضي الترغيب في طلب ثواب الآخرة؛ لأنه خيرٌ من ثواب الدنيا، وتقتضي أيضا أن يطلب ثواب الدنيا، والآخرة من الله وحده، هذه كما قال الله : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا [الشورى:20] وهكذا في قوله - تبارك، وتعالى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] والمطلق من هذه الآيات محمولٌ على المقيد، وأعني بالمقيد ما جاء في آية الإسراء: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] فهذان قيدان:

القيد الأول: في العطاء مَا نَشَاءُ [الإسراء:18].

والقيد الثاني: في المُعطَين لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18] فما كل من أراد الدنيا يُعطى، بينما في قوله - تبارك، وتعالى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا [الشورى:20] هذا مطلق، ومحمولٌ على المقيد مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] جاء به على طريقة الإخبار، يعني فليكن طلب ذلك من الله - تبارك، وتعالى - وليكن التوجه إليه وحده دون من سواه؛ لأنه هو الذي يملك الدنيا، والآخرة، وقد قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في بيان محمله، ومعناه يعني مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] يعني ليس له هم إلا الدنيا - نسأل الله العافية - يعني ليس له طلب سوى هذه العاجلة، ويكون المعنى عند ابن كثير - رحمه الله -: "يا من ليس همه إلا الدنيا اعلم أن عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] وإذا سألته من هذه، وهذه أغناك، وأعطاك، وأقناك"[1] أقناك يعني أقنعك بما أعطاك أَغْنَى وَأَقْنَى [النجم:48] كما جاء عن ابن عباس - ا -[2].

وفسَّره ابن جرير - رحمه الله -: بأن المنافق يُثاب في الدنيا بالمغنم، ويأمن على نفسه، وثوابه في الآخرة بالنار، وحمله على من دخل في أمر بني أُبيرق، ومن شابههم[3] يرى أن هذه الآيات لازالت متصلة بهذا المعنى مع أن ظاهرها عام، ظاهر الآية عام.

يقول: وعلى أحد هذين الوجهين، يرتبط الشرط بجوابه، فالتقدير على الأول، ما هو الأول؟ أنها ترغيب في طلب ثواب الآخرة لأنه خيرٌ من ثواب الدنيا على الأول مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فلا يقتصر عليه خاصة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134] وعلى الثاني: يعني أن يطلب ثواب الدنيا، والآخرة من الله وحده مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134] فليطلبه من الله فعنده ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134].

كل هذا لا إشكال فيه، وعليه أن يتوجه إلى الله، وأن يطلب ذلك من الله وحده، وألا يقتصر على طلب الدنيا.

  1. تفسير ابن كثير (2/432).
  2. المصدر السابق (7/467).
  3. انظر: تفسير الطبري (7/583).