يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات".
هذا المعنى هو الذي يظهر في تفسير الآية أي أنها في من آمن ثم كفر، ولا حاجة للتكلف في حملها على اليهود، والنصارى؛ حيث قال بعض أهل العلم: إنها نزلت في اليهود، والنصارى، وذلك أن اليهود آمنوا بموسى ﷺ ثم كفروا بعبادتهم العجل، ثم بعد ذلك آمنوا ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفراً بمحمد ﷺ فهذا واقع متحقق فيه، لكن الآية لا تختص بهم، بل كل من يقع بمثل هذا ممن ينتسب إلى الإسلام ومن غيره.
كذلك يقولون: النصارى آمنوا بعيسى، ثم بعد ذلك كفروا به، وادَّعوا أنه ثالث ثلاثة ... إلى آخره أو قالوا: آمنوا بموسى، ثم جاء عيسى ﷺ فآمنوا به، ثم كفروا بقولهم: إنه ثالث ثلاثة، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد ﷺ.
وبعضهم يقول: أي اليهود آمنوا بموسى، ثم كفروا بالعُزير، ثم آمنوا به، ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفراً بمحمد ﷺ.
وبعضهم يقول: إنها في الطائفتين يعني أن قوله: الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ أي اليهود آمنوا بموسى، ثم كفروا بعيسى، وهذا قول لقتادة، وقوله: ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ أي أن هذه في النصارى، وقوله: ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا أي ازدادوا كفراً - اليهود، والنصارى جميعاً - بكفرهم بمحمد ﷺ، وهذا التفسير فيه بعد.
وابن جرير - رحمه الله - يحمل الآية على أهل الكتاب الذين آمنوا بالتوراة، ثم كذبوا بخلافهم إياها في الإنجيل، ثم ازدادوا كفراً بمحمد ﷺ.
وعلى كل حال فالآية تشمل هذا وغيره ممن وقع في مثل ذلك بأن آمن ثم كفر، ثم آمن ثم كفر، وقد أخبر النبي ﷺ أن في آخر الزمان - أيام الفتن - يصبح الرجل مؤمناً ثم يمسي كافراً، ثم يصبح كافراً ويمسي مؤمناً، فمثل هؤلاء الذين يتقلبون يدخلون في هذه الآية.
يقول الله : لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [سورة النساء:137] بعض أهل العلم يقولون: هذا في من مات منهم على الكفر، وإلا فإن من تاب تاب الله عليه، ومنهم من يقول: إن مثل هؤلاء الذين يؤمنون ثم يكفرون، ثم يؤمنون ثم يكفرون؛ لا يوفقون إلى التوبة، ولا يهديهم الله ، بل يطبع على قلوبهم فيضلون.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - في قوله تعالى: ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا [سورة آل عمران:90] قال: تَمَّمُوا على كفرهم حتى ماتوا، وكذا قال مجاهد".