ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم، ويسرون إليهم بالمودة، ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم، إنما نحن مستهزئون أي: بالمؤمنين في إظهارنا لهم الموافقة".
يقول تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [سورة النساء:138] ومن نظائر هذه الآية قوله تعالى: فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الانشقاق:24] فالبشارة هنا أطلقت على خلاف الغالب من استعمالها في الأمر المحبوب الذي يسر، وهذا أسلوب معروف في كلام العرب، فبعض أهل العلم يقولون: هذا على سبيل التهكم باعتبار أن البشارة لا تكون إلا في الأمر السار، وذلك لظهور أثر هذه البشارة على البشرة، وعلى كل حال فالعرب تستعمل البشارة قليلاً في الشيء المكروه كما قال الشاعر:
يبشرني الغراب ببين أهلي | فقلت له ثكلتك من بشيرِ |
أبشرتني يا سعد أن أحبتي | جفوني وقالوا الود موعده القبر |
وخيل قد ذلفت لها بخيل | تحية بينهم ضرب وجيع |
في قوله تعالى: ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا [سورة النساء:137] قال الحافظ: "تَمَّمُوا على كفرهم حتى ماتوا" وفي بعض النسخ "تمادوا"، والرواية عن ابن عباس في بعضها هذا، وبعضها هذا، وتمموا لها وجه صحيح يصح به المعنى، لكن هذا يحتاج إلى تتبع في الأصول، وعلى كل حال فابن كثير يسوق الروايات في بعضها تمموا، وفي بعضها تمادوا.