قال الوالبي عن ابن عباس - ا -: فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [سورة النساء:145] أي: في أسفل النار، وقال غيره: النار دركات كما أن الجنة درجات.
وروى ابن جرير عن عبد الله يعني ابن مسعود : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [سورة النساء:145] قال: في توابيت من نار تطبق عليهم، أي: مغلقة مقفلة لا يُهتدى لمكان فتحها".
النار دركات، والمنافقون في السفلى منها - أعاذنا الله وإياكم من النار - وهذا لا ينافي ما ذكر الله عن أصحاب المائدة عندما قال: فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ [سورة المائدة:115]، ولا ينافي قوله تعالى عن فرعون: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [سورة غافر:46] فالدرك الأسفل من النار يكون فيه أهل النفاق، ولا يمنع ذلك أن يوجد فيه أيضاً غيرهم، فالآية ليس فيها حصر للمنافقين بدخولهم الدرك الأسفل من النار، فقد يوجد غيرهم معهم، ثم إن أشد العذاب قد يكون في الدرك الأسفل من النار، ويعذب بعذاب هو غاية في الإيلام والإهانة، ولكن ذلك يكون لغيره أيضاً؛ لأن أفعل التفضيل كما ذكرنا بمناسبات سابقة تمنع أن يزيد أحد طرفين أو الأطراف على الآخر، ولكنها لا تمنع التساوي كما ذكرنا ذلك عند قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا [سورة البقرة:114] فالمقصود أن أفعل التفضيل تدل على أن اثنان اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها فتقول: زيد أعلم من عمرو، فهذان اشتركا في صفة العلم وزاد زيد في ذلك عن عمرو، والدرك الأسفل من النار لا يمنع أن يوجد فيه غير المنافقين كفرعون وقومه؛ لأنه يمكن أن يشترك معهم في هذه المرتبة آخرون.
ويستفاد من قوله تعالى: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ [سورة المائدة:115] أنه يمكن أن يكون لهم صنوف من العذاب لا توجد لغيرهم؛ لأن عذاب النار متنوع، فلا تعارض بين هذه الآيات إطلاقاً.
وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [سورة النساء:145] أي: ينقذهم مما هم فيه، ويخرجهم من أليم العذاب".
مثل هذا الذي جاء عن ابن مسعود لا يقال جاء من جهة الرأي فهو إن لم يكن قد عرف من جهة بني إسرائيل فإنه يكون له حكم الرفع إن صحَّ سنده، وابن مسعود ما عُرف بالأخذ عن بني إسرائيل خلافاً لابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص - ا -، فالله تعالى أعلم.