الأحد 18 / ذو الحجة / 1446 - 15 / يونيو 2025
مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى مخبرًا عن غناه عما سواه، وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم فقال تعالى: مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ [سورة النساء:147] أي: أصلحتم العمل، وآمنتم بالله، ورسوله وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [سورة النساء:147] أي: من شكر شكر له، ومن آمن قلبه به علمه، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء".

مرات الإستماع: 0

"مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ [النساء:147] المعنى: أيُ حاجةٍ، ومنفعةٍ لله بعذابكم؟ وهو الغنيّ عنكم، وقدّم الشكر على الإيمان؛ لأن العبد ينظر إلى النعم فيشكر عليها، ثم يؤمن بالمُنعم فكأن الشكر سببٌ للإيمان: متقدّمٌ عليه، ويحتمل أن يكون الشكر يتضمن الإيمان، ثم ذكر الإيمان بعده توكيدًا، واهتمامًا به، والشاكر اسم الله ذُكر في اللغات."

مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] أيُ: حاجةٍ، ومنفعةٍ لله بعذابكم؟ وهو الغنيّ عنكم إذا حصل منكم الشكر، والإيمان إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] يقول: وقدّم الشكر على الإيمان؛ لأن العبد ينظر إلى النعم فيشكر عليها، ثم يؤمن بالمُنعم فكأن الشكر سببٌ للإيمان: متقدّمٌ عليه، هذا الواقع أنه كلام الزمخشري[1].

يقول: لأن العبد ينظر إلى النعم فيشكر عليها، ثم يؤمن بالمُنعم فكأن الشكر سببٌ للإيمان: متقدّمٌ عليه، هذا الكلام يعني إذا قاله أحد ممن لا يُتهم في الاعتقاد فقد يكون له، وجه، لكن حينما يصدر من مثل الزمخشري، أو من أحد من المتكلمين، فهنا يُتوقف فيه، ويُرتاب، هل يقصد بقوله: لأن العبد ينظر إلى النعم فيشكر عليها، ثم يؤمن بالمُنعم يعني يُخشى أن يكون المراد هو وجوب النظر أولاً قبل الإيمان، تعرفون أن هؤلاء من المتكلمين يقولون: أول واجب على المُكلَّف بعضهم يقول: النظر، وبعضهم يقول: القصد إلى النظر؛ لأن النظر لا يحصل إلا بقصد، وهذا باطل فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله[2] فأول واجب على المكلف هو التوحيد، هو قول: لا إله إلا الله، والدخول في الإيمان، وليس النظر، ولا القصد إلى النظر، فهذه العبارة كأنها توهم هذا المعنى، وقد يكون هذا هو مراده - والله أعلم - وهو نقلها عن الزمخشري، والمؤلف يوافق أهل الكلام في مواضع كما هو معلوم.

يقول: ويحتمل أن يكون الشكر يتضمن الإيمان إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] ثم ذكر الإيمان بعده توكيدًا، واهتمامًا شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] والواو لا تقتضي الترتيب، يقول: والشاكر اسم الله ذُكر في اللغات، الشاكر عرفنا أن في الأسماء الحسنى أيضًا كلام فيها، الشاكر، والشكر أصل هذه المادة الشكر، ظهور أثر النعمة على المُنعم بالقلب، واللسان، والجوارح.

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي، ولساني، والضمير المُحجَّبا

يعني القلب يستحضر النعمة، واللسان يتحدث بها، والجوارح تعمل بمقتضى ذلك، ولذلك يقولون: شكرت الدابة يعني ظهر عليها أثر العلف من السِمن، ويُقال: شكِير، وهو العسلوج الذي يخرج، فرع صغير أخضر يخرج من الشجرة إذا قُطعت، إذا قُطع ساقها هذا الفرع الصغير الذي يتفرع عنها يُقال له: عسلوج يُقال له: شكير، لماذا؟ لأنه ظهر ظهور هذا الفرع الجديد بعد أن لم يكن، فيُقال له: شكير، ظهور أثر النعمة على المُنعم عليه.

  1. انظر: تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) (1/582).
  2. أخرجه البخاري في عدة مواضع منها، كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة، برقم (392) وبرقم (1399) في كتاب الزكاة، باب، وجوب الزكاة، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، برقم (20).