وقوله تعالى: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ [سورة النساء:154] يمكن أن يفسر - والله أعلم - بما أعطوا الله من الميثاق، والعهد، أي لنعملنّ بالتوراة، ثم حصل منهم الإباء فرفع الله فوقهم الطور.
وصفة السجود التي ذكرها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بأنهم جعلوا ينظرون إلى الطور خشية أن يقع وهم سجّدٌ هي الصفة التي تذكر عند قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ [سورة البقرة:63] كما أشرنا إلى ذلك في تفسير سورة البقرة، حيث يقال: إن سجود بني إسرائيل على أحد طرفي الوجه، ورفع الطرف الآخر؛ كان هو السجود الذي حصل تحت الطور، ثم صار سنة لهم بعدُ، والله أعلم.
أمرهم الله بقوله: ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا [سورة النساء:154] أي في حال الركوع يعني ادخلوا راكعين، فهم أمروا بقول، وأمروا بفعل يدل على الإخبات، والشكر لله بنعمة الدخول، والنصر، فالفعل بأن يدخلوا في هيئة معينة وهي هيئة الركوع يعني أن يدخل الواحد منهم وهو راكع، وقلنا: "راكعين" مع أن الآية تقول: ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا [سورة النساء:154]؛ لأن السجود يطلق ويقصد به الهيئة المعروفة، ويقصد به الركوع؛ لكن لما كان الساجد على الأرض لا يستطيع المشي كان المقصود به هنا الركوع، والله تعالى أعلم.
وعلى كل حال فإنهم أمروا بقول وفعل يدل على الإخبات، والشكر لله تعالى على نعمة النصر، فالفعل بأن يدخلوا راكعين، والقول أن يقولوا: حطة، يعني مسألتنا، وأمرنا، وحاجتنا أن تحط عنا خطايانا، وهي كقوله تعالى: قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [سورة الأعراف:164] يعني الذين نصحوا معذرة قالوا: إن نصحنا لهم معذرة، وهنا قولوا حطة أي مسألتنا أن تحط عنا خطايانا.
لكنهم حرفوا الفعل فدخلوا على أستاههم - عكس الهيئة التي أمروا بها - وحرفوا القول الذي أمروا به فقالوا: حبة في شعرة، أو حنطة في شعرة، بدلاً من قول حطة، والله أعلم.
معلوم أنهم كان يحرم عليهم العمل في يوم السبت فوقع منهم الاحتيال في العمل على صيد الأسماك بوضع الشباك في يوم الجمعة، وأخذها في يوم الأحد، والله المستعان.