وهذه تسمية الأنبياء الذين نصَّ الله على أسمائهم في القرآن وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، والْيَسَع، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد ﷺ".
يقول الله : وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [سورة النساء:163] وهو اسم الكتاب الذي أتاه الله داود، وبغض النظر عن هذه التسمية ما أصلها، وما معناها؛ إلا أن الآية نص صريح في أن الله أنزل على داود - عليه الصلاة والسلام - الزبور، وهذا أمر لا يحتاج إلى تنبيه؛ إلا أن العجيب أن ظاهر كلام أحد المفسرين الذي قرأته مراراً لم أفهم منه معنى سوى أن الزبور ليس من عند الله، وأن الإنجيل ليس من عند الله!! وهذا أمر عجيب! وإن كان في آخر كلامه ما يناقض هذا الفهم تماماً، حتى إننا أردنا أن نتأول له لكن عبارته لا تساعد على ذلك، والأعجب من ذلك - مع أن كلاًّ يؤخذ من قوله ويرد - أنك تجد من يثني على هذا المفسر، ويعظمه غاية التعظيم، ولو وقع هذا الخطأ لشخص آخر يشنؤه هذا المادح لأقام الدنيا ولأقعدها عليه، ولكفره، ولما ترك شيئاً من الأوصاف السيئة إلا ألحقها به.
قوله: "وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين" يشير فيه إلى أن بعض المفسرين يقول: إن ذا الكفل هو ابن أيوب ﷺ، وبعضهم يقول: هو رجل صالح، وحكم عادل، ولم ويكن من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
وابن جرير - رحمه الله - توقف في هذا، لكن الله ذكره في سياق الأنبياء كما في سورة الأنبياء، وكما في سورة ص، وهذا يقتضي أنه من جملة الأنبياء فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
قوله: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [سورة النساء:164] وهذا تشريف لموسى بهذه الصفة؛ ولهذا يقال له: الكليم.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه عن عبد الجبار بن عبد الله قال: جاء رجل إلى أبي بكر بن عيَّاش فقال: سمعت رجلاً يقرأ: "وكلم اللهَ موسى تكليماً" فقال أبو بكر: ما قرأ هذا إلا كافر، قرأتُ على الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثَّاب، وقرأ يحيى بن وثَّاب على أبي عبد الرحمن السَّلْمِيّ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي عَلَى عَلِيِّ بن أبي طالب، وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله ﷺ: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [سورة النساء:164].
وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش - رحمه الله - على مَن قرأ كذلك؛ لأنه حَرّف لفظ القرآن، ومعناه، وكان هذا من المعتزلة الذي ينكرون أن يكون الله كلَّم موسى ـ أو يكلِّمُ أحدًا من خلقه".
يعني أن ابن عياش تكلم في قضية معينة عن رجل بعينه من المعتزلة حرف الآية، وتحريف القرآن كفر كما هو معلوم، فقال عنه ما قال، وإلا فإن القراءة بالنصب مروية عن بعض التابعين - إن ثبت ذلك عنهم -، وإن كانوا قلة كإبراهيم النخعي، لكن في هؤلاء غاية ما يقال عنهم: إن هذه القراءة إن لم تثبت فهذا من قبيل الخطأ بحسب ما بلغهم، لكن إن صدر ذلك ممن يحرف، ويتعمد هذا؛ كبعض المعتزلة فهذا كفر، وفي هذا قال ابن عياش ما قال، فالعالم قد يقول المقالة في مناسبة معينة لكنه لا يقصد تعميم ذلك، فهناك فرق بين من حرَّف، أو تعمد التحريف، أو اتبع هواه، وبين من قرأ بها، وهو يظن أنها من القراءة، أو قرأ مخطئاً، فقد يقرأ بعض العامة هذا على سبيل الخطأ فلا يقال: هذا كافر، فابن عياش يتحدث عن حالة معينة، ولذلك تجد في كلام العلماء - رحمهم الله - أشباه هذا كثيراً، فلو تأملت في كلام المحدّثين لوجدت يحيى بن معين يسمع حديثاً ويقول: من هذا الكذاب - يعني راوي الحديث - فيقوم رجل، ويقول: أنا، فيبتسم له ويقول: لست بكذاب، فهو - رحمه الله - يقصد إبطال الخبر، فبالغ في كلامه على الراوي، فلما قام قال له ما قال ليدل على أنه لم يقصد تكذيبه، وإنما قصد المبالغة في رد الخبر.
وكذلك ماذا يصنع هذا المحرِّف بقوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [سورة مريم:52] فالنداء والمناجاة كلها من الكلام، ولا يمكن احتمال أن يكون المنادي هو موسى - عليه الصلاة والسلام -، فالنداء هو صوت رفيع - كما يقول ابن القيم رحمه الله - يعني أعلى من مجرد المكالمة، والمخاطبة.