الأربعاء 06 / محرّم / 1447 - 02 / يوليو 2025
رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [سورة النساء:165] أي: يبشرون من أطاع الله، واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره، وكذَّب رسله؛ بالعقاب، والعذاب.
وقوله: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [سورة النساء:165] أي: إنه تعالى أنزل كتبه، وأرسل رسله بالبشارة، والنذارة، وبيَّن ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه؛ لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى [سورة طه:134]، وكذا قوله تعالى: وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ الآية [سورة القصص:47].
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: لا أحَدَ أغَيْرُ من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظَهَر منها وما بطن، ولا أحدَ أحبُّ إليه المدحُ من الله من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحدَ أحَبُّ إليه العُذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين، ومنذرين[1]، وفي لفظ: من أجل ذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه[2]".

الحجة في قوله تعالى: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ [سورة النساء:165] من أحسن ما تفسر به هي الآية الأخرى في سورة القصص: وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا [سورة القصص:47]، والحاصل أن الله سمى ذلك حجة وإن لم يكن في حقيقة الأمر حجة؛ لأن الله قد أرسل رسله، وأنزل كتبه؛ تفضلاً على الناس، وإلا فالخلق خلق الله - تبارك وتعالى -، والملك ملكه، والله - تبارك وتعالى - عليم حكيم، فلم يترك ذلك لمقتضى علمه فيحاسب الناس عليه، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ثم ظهر مقتضى هذا العلم، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، والله يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [سورة التغابن:2] وقال: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [سورة الإنسان:3] وقال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [سورة البلد:10] وقال: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [سورة عبس:20] على أحد المعنيين في الآية.
  1. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب قول النبي ﷺ: لا شخص أغير من الله (6980) (ج 6 / ص 2698) ومسلم في كتاب التوبة - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (2760) (ج 4 / ص 2113).
  2. صحيح مسلم في كتاب التوبة - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (2760) (ج 4 / ص 2113).

مرات الإستماع: 0

"رُسُلاً مُبَشِّرِينَ [النساء:165] منصوبٌ بفعلٍ مضمر، أو على البدل".

رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165] يقول: "منصوبٌ بفعلٍ مضمر" يعني على القطع، يُراد منه المدح، يكون التقدير إذا أردنا أن نجريه على هذا: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165]: أعني رُسُلاً مُبَشِّرِينَ [النساء:165] أو: وأمدح رُسُلاً مُبَشِّرِينَ [النساء:165] وبعضهم يقول: بأنه منصوب على أنه مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، أي: وأرسلنا رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165] وكل هذا على التقدير، وأحيانًا لا بد من التقدير.

يقول: "أو على البدل" يعني البدل من ماذا؟ من قوله: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164] فيكون: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165] بدل منه.

"لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] أي: بعثهم الله ليقطع حجةَ من يقول: لو أرسل إليّ رسولاً لآمنت".

"لو أرسل إليّ رسولاً لآمنت" لقطع الحجة، والعذر، وفي الحديث: ولا أحد أحبُ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين، والمنذرين[1] وأيضًا في الحديث: وليس أحدٌ أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب، وأرسل الرسل[2] والله يقول: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ [النساء:165] أي: من أجل ألا يكون للناس حجة على الله - تبارك، وتعالى - بعد الرسل، وكقوله: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [طه:134] وقوله: وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص:47] فهذا، وغيره بمعنى قوله - تبارك، وتعالى -: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]. 

  1. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول النبي ﷺ : لا شخص أغير من الله وقال عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك: لا شخص أغير من الله برقم: (7416) ومسلم في اللعان برقم: (1499).
  2. أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش برقم: (2760).