وقوله: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [سورة النساء:165] أي: إنه تعالى أنزل كتبه، وأرسل رسله بالبشارة، والنذارة، وبيَّن ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه؛ لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى [سورة طه:134]، وكذا قوله تعالى: وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ الآية [سورة القصص:47].
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: لا أحَدَ أغَيْرُ من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظَهَر منها وما بطن، ولا أحدَ أحبُّ إليه المدحُ من الله من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحدَ أحَبُّ إليه العُذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين، ومنذرين[1]، وفي لفظ: من أجل ذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه[2]".
الحجة في قوله تعالى: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ [سورة النساء:165] من أحسن ما تفسر به هي الآية الأخرى في سورة القصص: وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا [سورة القصص:47]، والحاصل أن الله سمى ذلك حجة وإن لم يكن في حقيقة الأمر حجة؛ لأن الله قد أرسل رسله، وأنزل كتبه؛ تفضلاً على الناس، وإلا فالخلق خلق الله - تبارك وتعالى -، والملك ملكه، والله - تبارك وتعالى - عليم حكيم، فلم يترك ذلك لمقتضى علمه فيحاسب الناس عليه، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ثم ظهر مقتضى هذا العلم، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، والله يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [سورة التغابن:2] وقال: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [سورة الإنسان:3] وقال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [سورة البلد:10] وقال: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [سورة عبس:20] على أحد المعنيين في الآية.
- أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب قول النبي ﷺ: لا شخص أغير من الله (6980) (ج 6 / ص 2698) ومسلم في كتاب التوبة - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (2760) (ج 4 / ص 2113).
- صحيح مسلم في كتاب التوبة - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (2760) (ج 4 / ص 2113).