الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ ٱلْـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"فلا توبة متقبلة حينئذ، ولات حين مناص، ولهذا قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [سورة النساء:18]، وهذا كما قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ... [سورة غافر:84] الآيتين، وكما حكم - تعالى - بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا... [سورة الأنعام:158] الآية.
وقوله: وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ يعني أن الكافر إذا مات على كفره، وشركه لا ينفعه ندمه، ولا توبته، ولا يقبل منه فدية، ولو بملء الأرض، قال ابن عباس - ا -، وأبو العالية، والربيع بن أنس وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا قالوا: نزلت في أهل الشرك.
روى الإمام أحمد عن أسامة بن سلمان: أن أبا ذر حدثهم: أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب، قيل:، وما، وقوع الحجاب؟ قال: أن تخرج النفس، وهي مشركة[1]، ولهذا قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أي: موجعاً شديداً مقيماً."

هذا الحديث يفسر الآية، لكن لا يخلو من ضعف، - والله أعلم -.
  1. رواه أحمد في مسنده برقم (21562) (5/174)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة ابن نعيم...، ويغني عنه قوله ﷺ: إن الله يقبل توبة العبد....

مرات الإستماع: 0

"وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ [النساء:18] الآية، في الذين يصرون على الذنوب إلى حين لا تقبل التوبة، وهو معاينة الموت، فإن كانوا كفارًا فهم مخلدون في النار بإجماع، وإن كانوا مسلمين فهم في مشيئة الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم.

فقوله: أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ثابت في حق الكفار، ومنسوخ في حق العصاة من المسلمين بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء:48] فعذابهم مقيد بالمشيئة".

لكن هنا في قوله: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:18] أُوْلَئِكَ باعتبار أنه يعود إلى ما ذكر قبله من لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ فكل هؤلاء أعدَّ الله لهم عذابًا أليمًا، فلا يقال: إن هذه منسوخة؛ لأنه هنا لم يذكر الخلود أصلًا، فهم متوعدون بالعذاب الأليم.

بالنسبة للكفار الخلود معه، وبالنسبة للعصاة الموحدين، فإن ذلك لا يكون مع الخلود، فالآية لم تتعرض للخلود؛، ولهذا فإن قوله: "ثابتٌ في حق الكفار، ومنسوخٌ في حق العصاة من المسلمين بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]" هذا غير صحيح، فهذا ليس بمنسوخ، مع أن المتأخرين لا يعبرون بالنسخ عمّا يرد على النص من تقييدٍ لإطلاق، أو تخصيصٍ لعموم، أو بيانٍ لإجمال، هذا كان في كلام المتقدمين من السلف، ولكن المتأخرين إذا ذكروا النسخ فهم يقصدون به: رفع الحكم الشرعي بخطابٍ شرعي متراخٍ عنه.

 فهنا أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا "ثابتٌ في حق الكفار، ومنسوخ في حق العصاة" فهذا ليس بمنسوخ، لكن يبينه، ويوضحه قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ في حق العصاة، وإلا فهم متوعدون بالعذاب على جرائرهم، وجرائمهم، التي لم يتوبوا منها إلا عند المعاينة.